ربما تكون جالساً بهدوء في مكتبك أو بين أفراد أسرتك في منزلك أو تقود سيارتك، وإذا باتصال من مجهول يردك إلى هاتفك النقال، يحمل لك الفرج والحل لأي أزمة مالية ربما كنت تمر بها، أو حتى من دون ذلك. يبشرك المتصل بأن ما لا يقل عن مليون درهم في انتظارك كقرض ميسر، سهل المنال، بمجرد زيارة للمتصل في مكتبه بأحد فروع المصرف التجاري أو الإسلامي، ومطمئناً بأن الأمر بسيط وخال من أي تعقيدات كاشتراط تحويل الراتب أو فتح حساب لدى البنك. تعتذر للمتصل مبتهلاً لله ألا يوقعك في براثن القروض وتستعيذ بالله من شرورها وما تجلب من “هم بالليل وذل في النهار”. وقبل أن نتناول مسألة القروض، وهذا الأسلوب الترويجي الفج الذي يقتحم خلواتك، يتساءل المرء عن سلامة الممارسة التي تقوم بها الكثير من المؤسسات التجارية من تبادل البيانات الشخصية للعملاء من دون استئذان أي من هؤلاء العملاء. وقد تباينت هذه الممارسة من التبادل المجاني لتلك البيانات على أساس تبادل المنافع إلى تقديمها بمقابل مادي. وما زلت أتذكر رسالة إلكترونية وردت إليّ من فندق أقمت به في مدينة ميلانو الإيطالية تستأذنني في تمرير بريدي الإلكتروني لشركة تتولى استطلاع آراء النزلاء في خدماته، وذلك بموجب القانون الإيطالي رقم 196/2003، كما جاء في الرسالة. وهكذا أصبح المرء يتلقى اتصالات هاتفية من جهات لا يتعامل معها رغماً عنه؛ لأن بياناته وأرقامه أصبحت مشاعة بين تلك الشركات، دون أن تتحرك الجهات المختصة لوقف ذلك الإزعاج. نعود لموضوع القروض والترويج لها بهذا الأسلوب المزعج، فالمصارف التي تطلق علينا مندوبيها العاملين لديها بالعمولة أو المكافأة ليمارسوا إزعاجهم علينا ليل نهار، تنشر إعلانات مكثفة في وسائل الإعلام، ومن يحتاج إلى خدماتها للاستفادة منها يعرف الباب الذي يطرقه للوصول إليها. إذن لماذا هذا الإصرار والاستماتة في الترويج لبضاعة قد يخفى على الساعي لها أبعادها والأضرار التي تترتب عليها. يجيء هذا الإصرار من قبل البنوك للتوسع في القروض الشخصية، نتاج نظرة قاصرة تبحث عن الربح السريع، وتنأى بنفسها عن تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وترك هذا المجال للدولة والصناديق المحلية الخاصة بذلك. كما يجيء هذا الإصرار بصورة تتعارض مع الأهداف والبرامج التي تفرعت عن المبادرة السامية لصاحب السمو رئيس الدولة حفظه الله من خلال صندوق معالجة الديون المتعثرة، وهي تهدف لتشجيع المواطن المنتج غير المعتمد على القروض لتلبية احتياجاته، وفي الوقت ذاته تشجيعه على الادخار وتنمية ثقافة الادخار لديه، ولدى مختلف شرائح المجتمع. ولا يتحقق ذلك إلا بتعزيز الوعي الادخاري والحد من الثقافة الاستهلاكية والمظاهر التي تترتب عليها. إن المصرف المركزي وبالتعاون مع دوائر التنمية الاقتصادية والبلديات مدعوة لتدعيم تلك الأهداف والخطط والبرامج للحد من القروض الاستهلاكية من خلال إلزام المصارف باتباع القواعد الصحيحة في الترويج لخدماتها بعيداً عن طرق “الإغواء” تلك، وهي أول من يدرك تأثير اتصال لشاب في مستهل حياته العملية لتعرض عليه مليون درهم، وأن الأمر لن يكلفه سوى توقيع بسيط، يندم عليه بقية العمر. علي العمودي | ali.alamodi@admedia.ae