بين الجدران العالية، تحت السقف المسفوف بالرهبة، وأمام خلاخيل الجحيم، تنظر إلى السجين، إلى هذا المخلوق الذي أصبح إنساناً آخر، له ظهر منحنٍ، ورأس، يقبع في داخل الفراغ الوسيع، وعينان لا تريان غير الأفق المسدود. تقول في نفسك، هل فكر هذا الإنسان، قبل أن يرتكب جريمته في هذا اليوم الذي يصير فيه مقيداً يحكمه قانون، أحد من طرف السكين، هو كائن بلا مشاعر، هو مصطلح بشري، صاغه العقل، ليكبح رغبات بشرية، تسبح في الحياة مثل نسور جبلية، قسوته تنبع من عدالته، وحدته تحضر عندما تكون الرغبات مثل الفيض الملوث، والنفوس، مثل الطوفان، تحتاج إلى سد منيع يدحض سيلها، وغليلها. في حالة ظرفية قد تجد نفسك محاطاً بمشاعر مختلطة ما بين التعاطف والاشمئزاز، من شخص وقع في فخ الجموح الأخلاقي، فسقط في الوحل وجاء به القانون كي يلفه بطوق المعدن الرهيب، وتصبح القدمان، مثل عصاتين مربوطتين، مرساة الأعماق الغائرة، واليدان اللتان امتدتا للسرقة أو القتل صارتا جناحين مكسورين. وكل غطرسة النفس الأمارة استحالت إلى قشة على ظهر موجة عارمة. القانون كائن بجلد جاف، لكنه أنبل من كل الطموحات، وأجمل من كل الخيالات والأحلام، لأنه يرسخ ماء النهر، ويثبته كي لا يذهب بعيداً عن الأشجار، ويمنع العصافير الحمقاء من العبث في ثمار الحياة. حقيقة تنتابك مشاعر التعاطف مع المغلل بالأصفاد، ولكنك سرعان ما تزف التهاني للقانون، وتقول له شكراً لك أيها القانون، لأن عصاك هي التي منعت العاصفة من ارتكاب جريمة قتل أو سرقة. القانون وحده الذي يضع الثمرات على أغصان الشجرة الإنسانية، وهو الذي يحرسها، ويمنعها من السقوط. القانون هو فكرة الموجة في تنظيف الشواطئ من بقايا عظام لأسماك ميتة وقواقع ومحارات تالفة. عندما تتأمل وجه المخلوق المصفد، تتحاشى خطأ النظر بلا ذاكرة، لأنها وحدها التي تعطيك الدرس، وتمنحك القدرة على الفصل ما بين اللحظة الآنية، وما قبلها. فكيف كان هذا الشخص الذي أمامك، وكيف أصبح، فهذا من فعل القانون، وتصرفاته النبيلة، التي حولت المتغطرس إلى حمل وديع يطلب الرأفة. القانون وحده الذي يضعك في المسافة ما بين المجرم والجريمة، وما بين الجاني والمجني عليه، حينها تعرف أن المجرم لو فكر بالعقل قبل ارتكاب جريمته، لما أقدم على الفعل المشين، ولما سمع قعقعة المعدن المهيب في معصميه.