تفرض تلك النقاط الثلاث نفسها والتي تستخدم للإشارة إلى العلاقة المنطقية في الرياضيات (بما أن) و(إذاً)، ويقصد بها وجوب المقدمات للحصول على النتائج، أجدها أمامي تتراقص تارة على شكل وجه ضاحك وتارة يبكي كلما وجدت أماً أو أباً يخبر عن ردود أبنائهم عندما يحاولون توجيههم لأمور معينة. عندما يطلب من ولده مثلاً أن يجتهد في دراسته، لكي يستطيع أن يكمل حياته معتمداً على نفسه، فيخبرك أنه لا يحتاج إلى ذلك، فالأمر بسيط بوجود بطاقة السحب الآلي. أو أن تخبرك ابنتك عندما تحاولين إقناعها بتعلم طريق لإعداد الطعام لنفسها فتتساءل لماذا.. وأين الـ «دليفري».
وحالي كذلك فلا أعلم هل أضحك أم أبكي على ما ابتلينا به من اضطرار للتعامل مع عقول انتهجت تلك الطريقة نبراساً لتفكيرٍ غير منطقي. فالحصول على المال لا يستوجب التعب في جمعه، والحصول على الرشاقة لا يستوجب جهداً لصقل الجسم، والحصول على الشهرة لا يستوجب سعياً للنجاح، وهكذا الأمر في متوالية غير المستوجبات لحدوث التحقق. لقد أدى غياب المنطق وضياع التراتبية والمقدمات الضرورية إلى قفز جيل كامل على المستلزمات، وأصبح انتظار النتائج وكأنها مسلمات أمراً حتمياً، وستسقط لا محالة من السماء من دون بذل جهد! ولا أدري إلى أي مدى نحن مدركون لخطورة هذه المسألة على مستقبلنا.
في مقطع فيديو يبرر فيه لاعب كرة القدم البرتغالي «كريستيانو رونالدو» إلغاءه لحساب ابنه في موقع التواصل الاجتماعي إنستغرام بعد أن حصل الصغير على مليون متابع في يوم واحد، فقد خاف الرجل أن يغتر ابنه فلا يلقي بالاً للمثابرة والعمل لكي يحصل على ذلك. إنه المنطق، أراد الرجل بمنع ابنه من استخدام الآيفون أن يعلمه أهمية التراتبية، رغم أن المنطق في هذا الوقت يواجه الكثير من الصعوبات بسبب الإعلام الإلكتروني الذي شوه عمليات التفكير ونتائجها. ولكن هذا ما فعله كريستيانو.. فماذا نحن فاعلون؟