من خلال الحديث مع الأبناء من الطلع الجديد، ومراجعة بعض المواد في مناهجهم، أدخلوني في سؤالين مهمين، وغير منتبهين لهما، السؤال الأول؛ لِمَ لم تنتج الأجيال الماضية قصصهم وخراريفهم التي تناسب عصرهم ومستجدات حياتهم، بدلاً من ترديد قصص وحكايات وخراريف الجدات والأمهات من الوطر القديم؟ لماذا انقطع القص وسرد الحكايات عند أهلنا الأولين؟
السؤال الثاني؛ هل ما زال جيل اليوم يخاف من صور تلك الحكايات القديمة، مثل «حمارة القايلة، وأم دويس، وخطّاف رفّاي وأم الصيبان»، وغيرها من خراريف زمان؟ أم أنه تعداها بمراحل بحيث أصبحت لا تعني له بعد دخول التلفزيون والسينما، وصنع أفلام الرعب والألعاب المخيفة، وتجسيدها بالأبعاد الثلاثة صوتاً وصورة، بحيث حين أنهيت خَرّوفة «حمارة القايلة» التي تتحدث عن مخلوق له نصف هيئة الأتان أو الحمارة، والنصف الآخر إنسان، وحوافرها طويلة ومعكوفة، ولها شعر طويل يسحب إلى الأرض، تتحدث بعد أن تنهق ثلاث نهقات، وتتصيد الأولاد الصغار الذين لا يسمعون كلام أهلهم، ويخرجون للعب في الحارة ظهراً، بعد أن يهجع أهلهم في نومة القيلولة، وتأخذهم بعد أن تعضهم، وتشرب من دمهم، ثم تضعهم مخدرين في خرج رائحته نتنة، إلى الجبل، وهناك تتركهم في زرائب، يأكلون الحشيش وفضلات الطعام لأشهر حتى تنتفخ أجسادهم، بعدها يظلون يعملون يومياً في نقل الأشياء على ظهورهم إلى أعلى الجبل، ثم يبيعونهم في السوق بعد أن تحولهم على هيئة حمار أو جحش؟ طبعاً تفاصيل القصة من عندي لإضفاء بعض الأجواء المخيفة، والأحداث الغرائبية، لكنهم بعدما انتهيت، قالوا: بصراحة قصة ما تخوّف، ولا فيها أي رعب، وبعدين وقت الظهر كل الأطفال في المدارس!
بالتأكيد لا نلوم الوقت، ومستجداته العديدة والمتلاحقة، ولا نلوم الأجيال الجديدة، ونثمن ما سرده جيل الجدات والأمهات علينا، حيث أضفوا على مساءاتنا الكثير من المتعة والتسلية والمعرفة والمغزى من الحكاية، وفق المتاح والظروف الاجتماعية، والأهم تحريك المخيلة لدينا نحن الصغار، وتحفيزها لإنتاج المزيد من التصورات والخيالات لاقتحام الحياة كل بطريقته.
هذه الأسئلة نفسها سيقولها جيل «ألفا وبيتا وداتا» لأجيال مقبلة لها تصنيفها الرقمي ربما «رميو، وويسكي تشارلي»، حينها ستختفي خروفة «حمارة القايلة» من الحياة إلى الأبد، وتظهر خلائق غريبة عجيبة، وما فوق الذكاء الصناعي، المعدن معدنها، والحديد هيكلها، والحديث الإنساني منطقها، على نحو «ترانسفورمرز»، وربما تتغير أجواء الحكايات من الغابة والجبل ووسط البحر ورمال الصحراء والعجوز الساحرة والمارد العملاق إلى مناطق في كواكب فضائية مكتشفة أو مصنعة، ومخلوقات شفافة وهلامية ومتحورة ومتحولة، هي التي تخطف الأطفال الذين لا يسمعون كلام أهلهم، ويخرجون «القايلة»، ويكون الرعب الحقيقي في ذاك الزمان الموغل في المستقبل حين تحكى الحكايات، وتسرد الروايات، وتقال الخراريف، أن تأخذك تلك المخلوقات الـ «ترانسفورمرز» إلى الحياة على الأرض، حيث لا شيء غير الرماد والعطش ونبش قبور الأولين!