إعداد: د. شريف عرفة
يُعد البروفيسور مارتن سليجمان واحداً من أهم علماء النفس المعاصرين.. بالإضافة لدراساته الكلاسيكية التي اعتُمد عليها في فهم الاكتئاب وعلاجه، فقد شكلت رئاسته للاتحاد الأميركي لعلم النفس مرحلة فاصلة في مسيرة هذا العلم، حيث دشن انطلاق «علم النفس الإيجابي» كحركة علمية حديثة، تهدف لدراسة كيفية تحسين المناعة النفسية، وتعزيز عناصر التفوق الإنساني، واكتساب التفاؤل وزيادة الازدهار النفسي، لتصبح دراسات علم النفس الإيجابي مرجعية حقيقية حين يأتي الحديث عن السعادة.
وفي حواره مع «الاتحاد الأسبوعي»، حدثنا البروفيسور سليجمان عن هذا الموضوع..
ما هي السعادة؟
يوضح سليجمان أن السعادة «حُسن الحال الذاتي» مفهوم يتم قياسه عادة في الدراسات النفسية باستخدام هذه المعادلة:
- عدد المشاعر الإيجابية، مطروحاً منها عدد المشاعر السلبية، مضافاً إليها مقدار الرضا عن الحياة. «بمعنى آخر، وعلى سبيل التبسيط، يمكن القول: إن السعادة تتحقق عندما يزيد عدد المشاعر الإيجابية على عدد المشاعر السلبية، بالإضافة لارتفاع تقييم الإنسان لمستوى رضاه عن نفسه وحياته».
لكن هذا يأخذنا لسؤال مهم.. هو:
كيف تتحقق هذه المعادلة في حياتنا العملية؟
بيرما!
يضيف سليجمان، إن في الأحوال العادية، أي حين يكون الإنسان حراً، ولا يتعرض لمعاناة استثنائية في حياته، فإن هناك خمسة عناصر يمكن العمل على تطويرها لزيادة السعادة النفسية، تُعرف اختصاراً بـ «PERMA».. وهي كلمة تشمل الحروف الإنجليزية الأولى من أسماء هذه العناصر الخمسة.. وهي كالتالي:
- المشاعر الإيجابية
- ممارسة نشاط تحبه
- العلاقات الاجتماعية الجيدة
- معنى الحياة
- الشعور بالإنجاز
تلك هي الجوانب التي يحتاج الإنسان لتطويرها كي يصبح سعيداً في حياته.. لكن، هل هي مهمة لنا جميعاً بالقدر نفسه؟
اختلافات فردية
يستطرد سليجمان، أن الدراسات تؤكد أن الحصول على نسبة عالية من «PERMA» يحقق لنا السعادة، لكن تتفاوت أهمية كل عنصر من هذه العناصر مع اختلاف الأشخاص والثقافات، كما تختلف عبر العصور، أي أن هذه العناصر الخمسة كلها مهمة، لكن أولوية كل عنصر، ومدى تأثيره الجوهري في السعادة قد يختلف من مجتمع لآخر.
فمثلاً في المجتمعات الفردية «الدول الغربية» تتقدم أولوية المنظور الفردي «مثل تحقيق الأهداف الشخصية»، بينما في المجتمعات الجماعية «الدول العربية مثلاً»، فإن العلاقات الاجتماعية قد تلعب دوراً أكبر، نظراً لتأثير المحيط الاجتماعي والأسري على سعادة الفرد، يستطرد سليجمان: لكن بشرط ألا يتم سحق شعور الإنسان بالتفرد والاستقلالية، لأن هذا ما يصنع التقدم.
تدربيات السعادة
تمتلئ كتب التنمية الذاتية بالنصائح التي تعدك بزيادة سعادتك.. إلا أن علماء النفس الإيجابي وضعوا على عاتقهم مهمة التحقق من مدى صلاحية هذه الممارسات، عن طريق إجراء التجارب التي تقيس تأثيرها على المشاركين. ومن هنا جاءت قائمة طويلة من التدريبات «التي تسمّى تدخلات علم النفس الإيجابي PPIs» التي أصبحت واسعة الاستخدام في تحسين الصحة النفسية، ومنها:
01 تذوّق الحياة
يعتمد هذا النوع من التدخلات على زيادة الاستمتاع بالتفاصيل الصغيرة في حياتنا، وزيادة تقديرنا لكل لحظة، لتعزيز أثرها وتحقيق أقصى سعادة ممكنة.. مثال: ممارسة تأمل اليقظة الذهنية «أي التركيز هنا والآن»، والانتباه لكل التفاصيل الجميلة الصغيرة، أو استخدام كل الحواس للاستمتاع باللحظة في موقف معين.. هذه التدريبات وجدوا أنها تساعد في تخفيف الاكتئاب واضطرابات المزاج، وزيادة السعادة والرضا عن الحياة.
02 الامتنان
هذه التدخلات تعتمد على تقدير ما لدينا بالفعل ولا نلاحظه، الأشياء الكبيرة والمهمة التي ننعم بها، لكننا اعتدنا عليها ولم نعد ننتبه لها. مصل الصحة والمال، وعدم المعاناة وتوفر علاقات داعمة في حياتنا. من أمثلة هذه التدخلات: كتابة النعم التي في حياتك للانتباه لها، أو كتابة خطاب امتنان لشخص مهم في حياتك، أو شكر الآخرين وتقديرهم.
03 اللطف والإيثار
حين نسعد الآخرين نصبح سعداء نحن أيضاً، لأننا نعلو في نظر أنفسنا، بالإضافة إلى أن هذا السلوك يحسّن من جودة علاقاتنا الاجتماعية ككل.
مثال: إخراج زوجتك لتناول عشاء رومانسي في مكانك المفضل، أو إعطاء طفلك اللعبة التي كان يطلبها، أو شراء وجبة لشخص محتاج... إلخ. في إحدى التجارب وجدوا أن من أنفق مالاً لإسعاد شخص مقرب صنع ذكرى جميلة ظلت مصدر سعادة له، أكثر من الذي أنفق لشراء سلعة سيعتادها وتتوقف عن كونها مصدر سعادة!
04 التفاؤل
أن يتوقع الإنسان مستقبلاً إيجابياً، من الأمور التي تحسن الصحة النفسية، وتعطي الإنسان أملاً يجعله أكثر تفانياً في السعي لأهدافه.
أمثلة لهذه التدخلات: احضر ورقة وقلماً، واكتب وصفاً دقيقاً لنفسك وحياتك في المستقبل وأنت في أفضل حالاتك، أو اكتب ملخص قصة حياتك مفترضاً أن كل شيء تحقق كما تتمنى..
05 ممارسة القوى النفسية
حين يعرف الإنسان الأمور التي تميزه والتي يعتبر نفسه جيداً فيها، فإن هذا يعزز معنى حياته، ويجعله أكثر سعادة ورضا. يتم هذا عادة عن طريقة ممارسة اختبار القوى الإنسانية في موقع viacharacter.org/survey، والذي يقيس مدى تقديرك لبعض «القيم» أكثر من غيرها، وبمعرفة القيم الخمسة الأكثر تفضيلاً لديك، يمكنك ممارستها في حياتك كي تصبح أكثر سعادة.
مثال: لو كانت من قواك النفسية «حب التعلم»، فإن عليك تضمين القراءة أو مشاهدة الوثائقيات في جدول حياتك.. ولو كنت تتمتع بـ «الذكاء الاجتماعي»، فإن ممارسة أنشطة اجتماعية أكثر أمر ضروري.. وهكذا.