غالباً ما يكون المجد المنعكس أفضل طريقة للحصول على إعجاب إضافي. وهكذا كان بوريس جونسون يتمتع بمديح فولوديمير زيلينسكي لموقفه الحازم ضد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. وفيما يضاعف رئيس الوزراء من دعمه، يبدو كما لو أن الحرب أنقذت قيادة جونسون من الشعور بالانجراف نحو الأسفل. والسؤال هو ما إذا كان الهدوء يمثل مجرد راحة مؤقتة أم عودة إلى وضع البطل الخارق لرئيس وزراء منهك، ولكنه مرن؟
أدى الكشف عن إقامة حفلات غير مصرح بها في «10 داونينج ستريت» أثناء الإغلاق الصحي الذي فرضته الحكومة نفسها، إلى إضعاف جونسون بعد موسم الأعياد. وأظهرت استطلاعات الرأي الوطنية أن حزب العمال المعارض يتقدم على المحافظين بنسبة 9.5% من أواخر يناير إلى منتصف فبراير. حتى تقييمات جونسون بين المخلصين في الحزب كانت سلبية: فقد أيد عدد من نوابه رسمياً إجراء سباق على القيادة، بل أعلنوا على مجموعات واتس آب أنهم كانوا يفكرون في إسقاط رئيس الوزراء.
لكن السياسة البريطانية عرضةٌ للتحولات المفاجئة، حيث تقلص تقدم حزب العمال في استطلاعات الرأي الأخيرة إلى 5%، وذلك بعد أن أدت دعوات جونسون الواضحة للدفاع عن أوكرانيا إلى إنعاش حظوظه. فالجدلُ حول الأحزاب، وما إذا كان رئيس الوزراء «قد تعرض لكمين» فيما يتعلق بانتهاك الحظر الصحي، يبقى جدلا تافهاً في مقابل حرب حقيقية تدور في أوروبا الشرقية. وشهد استطلاعٌ لأعضاء الحزب، الأسبوع الماضي، ارتفاعَ مكانة جونسون الشخصية بواقع 15 نقطة، ليعود إلى المنطقة الإيجابية.
ولا شك في أن جونسون كان محظوظاً على الجبهة الداخلية أيضاً. فقد بدأت شعبية خلَفه ريشي سوناك، مستشار الخزانة، في السقوط الحر. وفي الأسبوع الماضي، استقبل الجميع، الأصدقاء والأعداء على حد سواء، البيان المالي لمستشار الخزانة بشكل سيء. فما يقرب من أربعة أخماس الناخبين اعتبروا ذلك البيان استجابة غير كافية لأزمة تكاليف المعيشة الملحة التي أدت إلى ارتفاع فواتير الطاقة، واعتبروا الأمرَ «غيرَ عادلٍ». ويبدو أن هذه النقطة غابت عن سوناك، وهو تكنوقراطي لامع.
وأصبحت الثروة الشخصية لمستشار الخزانة منذ ذلك الحين موضوعاً ساخناً. فساناك، وهو مصرفي سابق في بنك جولدمان ساكس، يعد شخصاً ثرياً، لكنه ليس بنصف ثراء زوجته أكشاتا مورثي. فهي تمتلك أسهماً بقيمة 690 مليون جنيه إسترليني (897 مليون دولار) في شركة تكنولوجيا المعلومات التي يمتلكها والدها «إنفوسيز»، لكنها مقيمةٌ في الهند. وهذا يعني أنها لا تحتاج إلى دفع ضرائب في المملكة المتحدة على أرباح حصتها من الأسهم.
وتم الإعلان عن الترتيب القانوني عندما أصبح سوناك وزيراً لأول مرة في عام 2016. لكن مع بدء الزيادات الضريبية التي أُعلن عنها العامَ الماضي في التأثير على الناخبين، يشعر حزب العمال بالسرور لإحراج المستشار. وسيكون من الطبيعي أن يتفاخر جونسون برؤية أكثر منافسيه مصداقيةً يعاني.
ووفقاً لاستطلاعات الرأي، فقد ألقى الناخبون البريطانيون باللوم في أزمة ارتفاع تكلفة المعيشة على جائحة «كوفيد-19» بنسبة 62%، وحرب أوكرانيا بنسبة 57%، أي أكثر من رئيس الوزراء نفسه (51%).. فهل يدوم حظ جونسون؟
ستكون الانتخابات المحلية المقررة على مستوى البلاد في 5 مايو المقبل بمثابة الاختبار.
عادت فضيحة «بارتيجيت» (Party Gate) إلى العناوين الرئيسة بعد كل شيء. وتقوم الشرطة بعد فوات الأوان بتغريم أولئك الذين انتهكوا قواعد الإغلاق في «10 داونينج ستريت»، وبإحياء التهمة الأكثر ضرراً ضد المحافظين، وهي أن هناك «قاعدة لهم وأخرى لغيرهم». وتنسجم المعاملة الضريبية التفضيلية لزوجة سوناك مع هذه الرواية أيضاً، لاسيما أن وضعها «غير المحلي» (أي عدم تواجدها داخل البلاد) ليس خياراً متاحاً لمعظم الناخبين. ومع ذلك، فسيتم تسويق جونسون من قبل حزبه كرجل دولة. 

قبل أربعين عاماً، أنقذت الحملة الناجحة لاستعادة جزر فوكلاند من الأرجنتين مارجريت تاتشر، على الرغم من البطالة القياسية في الداخل. فدعم الناخبين لحكومة البلاد يزداد عندما تتخذ موقفاً ضد قوة أجنبية. لكن هذه المرة كان حزب العمال أكثر حرصاً على العزف على وتر الحس الوطني أيضاً. وهو يدعو إلى فرض عقوبات أشد على روسيا، وينتقد حكومةَ جونسون لقبولها عدداً قليلا جداً من اللاجئين الأوكرانيين إلى المملكة المتحدة على الرغم من وعودها.

وبصفته كاتب سيرة ونستون تشرشل، يعرف جونسون أن النجاح في الحرب لا يضمن الفوز بالسلام. لقد تم تكريم زعيم بريطانيا في الحرب العالمية الثانية لقيادته الملهمة ضد النازيين، لكن شعبه أطاح به بعد فترة وجيزة من الانتصار. وعلى عكس خصومه من حزب العمال، لم يقدّم تشرشل أي رؤية مقنعة لبريطانيا أكثر عدلا في زمن السلم. فماذا عن رؤية جونسون؟ مثل تشرشل في عام 1945، يقدّم رئيس الوزراء الحالي نفسَ الرؤية بنفسه.
في الحقيقة، كان إنجازه العظيم، سواء أحببته أم كرهته، هو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. لكن تم إنجاز هذه المهمة بحلول أوائل عام 2020، ولم يتبق سوى الأمور التي تأخر إنجازها نتيجةً للتنفيذ الفوضوي. لقد ملأ الوباء، على الرغم من أداء جونسون المتعثر عند تفشي المرض، والحرب في أوكرانيا، الفراغَ السياسي. وفيما عدا ذلك، فإن مسارَ رئيس الوزراء تمليه الفضائح والتمردات الحزبية الداخلية.
أين هو برنامج التجديد والإصلاح المطلوب لتعزيز الإنتاجية والتعويض عن خسارة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي للوصول إلى السوق الأوروبية الموحدة؟
ومؤخراً تأجَّل نشر استراتيجية أمن الطاقة الحكومية التي تم الترويج لها كثيراً. وكان هناك أيضاً التملقُ المألوفُ لحفنة من النواب المحافظين في المقاعد الريفية الذين قد يتأرجحون في انتخابات القيادة، لكن لم يتم إجراء تغييرات على نظام التخطيط الذي يعيق تطوير الرياح البرية، وهي أسرع طريقة لتقديم طاقة متجددة رخيصة التكلفة.
ومع ذلك، وطالما أن نواب حزب المحافظين لم يوقِّعوا رسائلَ تدعو إلى انتخابات على الزعامة، فإن جونسون رجل سعيد. في 5 مايو، سيراقب حزبه النتائج بنظرة ثاقبة، ومن الأفضل ألا يخيب.


مارتن إيفينز
مدير مجلس إدارة صحيفة «التايمز» ورئيس تحريرها السابق

ينشر بترتيب خاص مع خدمة واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس