مع مرور الوقت يتراجع حجم الاكتشافات النفطية القابلة للاستخراج، مما قد يجد له انعكاسات على إمدادات النفط في المستقبل ويعمل على تغيير حصص موارد الطاقة في ميزان الطاقة العالمي، إلا أن هناك تطورات تكنولوجية ربما تؤدي إلى تغيير هذه المعادلة، وتتيح استخراج النفط من الحقول التي لا يمكن استغلالها حالياً لأسباب فنية وتقنية عديدة.
وفي هذا الصدد أعلنت شركة شيفرون الأميركية مؤخراً أنها حققت بعض التقدم التكنولوجي ببدء إنتاجها من أول حقل تحت الضغط الشديد في أعماق البحر في خليج المكسيك بتكلفة 5.7 مليار دولار، مما يفتح المجال أمام إنتاج النفط من المياه العميقة في العديد من مناطق العالم والتي كانت عصية على الوصول إليها لسنوات طويلة.
وسيؤدي ذلك الى زيادة ملحوظة في احتياطيات النفط العالمية البالغة 1.580 تريليون برميل في الوقت الحاضر، خصوصاً وأن إنجاز شيفرون شجع شركات أخرى، كشركة «بريتش بتروليوم» وشركة «بيكون أوفشور أنرجي»، اللتان تعملان حالياً على استخراج النفط من المياه العميقة.
وكما هو متوقع، فإن منطقة الشرق الأوسط، وبالأخص منطقة الخليج العربي تحتوي على مثل هذه الاحتياطيات في مياهها، حيث ستتيح لها هذه التقنيات الجديدة إمكانية زيادة احتياطياتها، وبالتالي زيادة العمر الافتراضي للثروة النفطية، كما أن بعض الدول العربية والخليجية التي تقوم حالياً بإنتاج كميات متواضعة من النفط، يمكنها رفع إنتاجها النفطي بنسب كبيرة، خصوصاً وأن هذه الدول سبق وأن أعلنت عن اكتشافات نفطية وغازية كبيرة، إلا أن عملية استخراجها غير متاحة لأسباب تقنية.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الدول العربية ذات الإنتاج النفطي الكبير تتمتع بدورها بكميات من الاحتياطات النفطية في المياه العميقة، وسيتاح لها أيضاً زيادة احتياطياتها، مما سيكون له مردودات إيجابية على سير التنمية في كافة هذه الدول.
ومن جانب آخر، فإن ذلك ربما يخلق بعض الصعوبات التسويقية بعد عقدين من الزمن بسبب إمكانية الفروقات التي ستحصل بين معدلات العرض والطلب، إذ يتوقع أن ترتفع نسب مساهمة مصادر الطاقة المتجددة من إجمالي الطلب على الطاقة، علماً، بأن بعض مراكز الإنتاج الرئيسية الحالية يمكن أن تشهد بعض التراجع في الإنتاج، مما قد يقلل من التفاوت بين العرض والطلب.
وبشكل عام، فإن ذلك يعتبر تطوراً إيجابياً للدول المنتجة للنفط الواقعة على السواحل البحرية، بما فيها دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يمكن الاستعداد لمنح مناطق امتيازات جديدة للتنقيب في المياه العميقة لاكتشاف مناطق احتياطات جديدة، تضاف إلى الاحتياطات السابقة المكتشفة في المنطقة.
وبالتأكيد، فإن تكاليف الإنتاج ستكون مرتفعة عن مثيلاتها الحالية، فمنطقة الخليج العربي تعتبر من أقل مناطق العالم تكلفة في الإنتاج، إلا أن جدوى الإنتاج من المياه العميقة سوف يعتمد بدرجة كبيرة على معدلات الأسعار، والتي يعقتد أنها ستكون مجدية، باعتبار أن عصر النفط الرخيص قد مضى بفضل سياسات تتبعها مجموعة «أوبك+»، والتي أبقت أسعار النفط مرتفعة في السنوات القليلة الماضية، وذلك رغم التحديات والمحاولات المستمرة لتخفيضها، سواء من قبل الدول المستهلكة والمضاربين الساعين لتحقيق مكاسب وأرباح كبيرة.
وبشكل عام، تفتح هذه الاكتشافات التكنولوجية آفاقاً لصناعة النفط يمكن استغلالها لتنمية قطاع حيوي لا تقتصر مخرجاته على وسائل النقل والمواصلات، وإنما تمتد إلى الكثير من الصناعات الحديثة، وذلك جنباً إلى جنب مع تطوير مصادر الطاقة البديلة والمتجددة والتي حققت فيها دول مجلس التعاون تقدماً ملحوظاً في السنوات القلية الماضية، كما اعتمدت مؤخراً مشاريع جديدة في هذا المجال سيتيح لها المزيد من التنوع في مجال الطاقة، والذي سيجد له انعكاسات على معدلات النمو والتنمية في دول المجلس.
*مستشار وخبير اقتصادي


