كثيرون منا يُتابعون هذه الأيام وقائع جلسات محكمة العدل الدولية في لاهاي، وكما نعلم فقد أثارت الدعوى التي رفعتها القواتُ المسلحة السودانية ضد دولة الإمارات أمام هذه المحكمة جدلاً كبيراً، لا سيما أنها تأتي في وقت يشهد فيه السودان أزمةً إنسانية وسياسية متفاقمة وغير مسبوقة.
ومن هنا، يبرز الموقف المتوازن والنزيه لدولة الإمارات، والذي عبّر عنه بوضوح معالي الدكتور أنور بن محمد قرقاش، المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة، والذي أكد على تميّز أداء ممثلي دولة الإمارات في التصدي لهذه الاتهامات الملفقة، داعياً إلى إعلاء مصلحة الشعب السوداني فوق كل الحسابات السياسية الضيقة.
وأمام الاتهامات الباطلة التي قدمتها القوات المسلحة السودانية إلى محكمة لاهاي، في سياق الأزمة السياسية والأمنية والإنسانية التي تعصف بالسودان، أظهر فريق الدفاع القانوني الإماراتي إدراكاً واضحاً بالخلفية السياسية الصريحة والجلية لتلك الاتهامات، مما يعطي دليلاً آخر على خبرة وحنكة أبناء دولة الإمارات العاملين في مجال النظم الدبلوماسية والقانونية. كما استطاعت سفيرة الدولة لدى هولندا، أميرة الحفيتي، كشف هشاشة الأساس القانوني لهذه الدعوى، الأمر الذي يقتضي موضوعياً من المحكمة رفضها وشطبها بالكامل من سجلات الدعاوى. ولا شك في أن ذلك مما يُعزز المكانةَ المرموقة لدولة الإمارات بين دول العالم، وهي المكانة التي أكدها أيضاً تصريح لافت لمعالي الدكتور أنور بن محمد قرقاش عبر منصة «إكس»، حيث كتب: «أداء متميز للدبلوماسية والفريق القانوني الإماراتي في محكمة العدل الدولية في مواجهة اتهامات ملفقة وضعيفة هدفها الاستعراض الإعلامي».
هذا التصريح لا يعبّر فقط عن الثقة العالية بمؤسسات الدولة، وإنما أيضاً يُسلّط الضوء على جوهر الأزمة، وهُو أنَّ الصراع في السودان يحتاج إلى مسار سياسي واضح وكامل، لا إلى دعاوى دولية تُستخدم كأدوات ضغط وتشويش! ويتابع معالي الدكتور أنور بن محمد قرقاش: «الأهم أن تدرك حكومة الجيش السوداني أن الاستحقاق الحقيقي هو استقرار السودان، عبر استعجال وقف هذه الحرب ومسار سياسي يحفظ وحدة البلاد وأرواح مواطنيها».
وبالفعل فإنّ ما يحتاجه السودان اليوم ليس إثارة اتهامات هنا وهناك بغرض التشويش، وإنما جهوداً مشتركة تنقذ ما تبقى من وطن ممزق يُمكنه أن يستعيد عافيته فقط عبر تكاتف كوادره من أبناء السودان المُحبين لوطنهم.موقف دولة الإمارات قوي ومتوازن، سواء من المنظور القانوني أم من المنظور الدبلوماسي، ومنه نستنتج أنَّ مشاركة الدولة في جلسات المحكمة كشفت الادعاءات الفارغة، واستغنت بالكلام المتماسك منطقياً عن الكلام المتهافت داخلياً، وبالتالي فقد أكدت على احترامها للمؤسسات الدولية وحقوق الدول من منطلق إنساني. كما شددت، من خلال بعثتها الدبلوماسية، على رفض تسييس العدالة أو استخدام المحاكم الدولية لتحقيق مصالح ضيقة تخدم فئة محدودة فقط. ولدى دولة الإمارات جانب إنساني في جميع جهودها وعلاقاتها الخارجية، انطلاقاً من مبادئ الأخوّة الإنسانية والتضامن الإنساني حيال الدول والمجتمعات المتضررة جراء الكوارث الطبيعية أو الإنسانية.
وقد أثبتت الإمارات التزامها الإنساني الراسخ حيال الشعب السوداني، إذ قدمت له ما يزيد على 3.5 مليار دولار كمساعدات خلال السنوات العشر الأخيرة، وأكثر من 600 مليون دولار منذ اندلاع الأزمة الأخيرة فقط، مما يعني أنَّ هذا الدعم لا يُمكن فصله عن المبادئ الراسخة في الرؤية الإنسانية لدى دولة الإمارات، والتي تؤمن بأن المساعدات الإنسانية هي التجسيد الأقوى للتضامن الحقيقي، بعيداً عن الشعارات والهتافات.
وخلاصة القول هي أنَّ موقف الإمارات من الدعوى السودانية أمام محكمة العدل الدولية تمثل درساً في الحكمة والمسؤولية والدبلوماسية، وأيضاً في الالتزام الوطني بالقانون الدولي، وفي التمسَّك بالثوابت الأخلاقية والمنطقية. لذا فإن ما عبّر عنه معالي الدكتور أنور بن محمد قرقاش يُمثّل جوهرَ الموقف الإماراتي القائل بأنَّ العدالة لا تكون عبر الاتهامات الملفقة، بل عبر الحلول السياسية التي تصون الأرواح وتُعيد بناء ما دمرته الحرب.
*كاتبة إماراتية