ركزت وسائل الإعلام الإسرائيلية على وجود خلافات وتباينات كبرى بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية، خاصة مع نتنياهو نتيجة للخلافات حول إدارة المفاوضات والصراع الراهن حول أولويات ومهام كبرى تتحكم في العلاقات بين الطرفين.
ويبدو أن هذه الخلافات ليست مواقف عابرة أو توجهات طارئة، ولا تتعلق بإدارة المشهد السياسي في الشرق الأوسط والتوجهات الإيجابية التي أبدتها إدارة ترامب خلال جولتها في الشرق الأوسط ، ومسعى الرئيس الأميركي لإيقاف الحرب في غزة، وإتمام صفقة تبادل الأسرى، وعدم الالتفاف للسياسة الإسرائيلية التصعيدية، خصوصاً بعد الإفراج عن المحتجز الأميركي الكسندر، ونجاح الرئيس ترامب في إدارة وضبط معطيات العلاقات الأميركية مع دول الخليج لإدراكه بأهمية هذه الدول في توجيه بوصلة الإقليم بأكمله، وليس فقط المشاركة في إتمام صفقات أو تهدئة للتوتر، أو حسم للصراعات الناشبة، والتي تسببت فيها أحداث 7 أكتوبر بكل ملابساتها.
وأياً كانت النتائج التي ستأتي بها زيارة ترامب للمنطقة، وفي إطار إعادة تشكل للعلاقات العربية الأميركية، فإن ثمة تطورات ستطرح نفسها أهمها أن الخلافات الأميركية- الإسرائيلية يجب أن تفهم في سياقها السياسي والاستراتيجي، وأن ما يجري في إطار تجاذبات حالية ربما تتفكك في المدي القصير، إذ إن التوصل لوقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى والمحتجزين سيؤدي إلى عودة العلاقات إلى طبيعتها، خاصة أن الرئيس ترامب يطالب بالفعل بنزع فتيل أزمة غزة ، وبصرف النظر عن تصوراته بشأن التعامل مع القطاع، وكيفية إداراته وفق رؤية محل تباين عربي أميركي، وستظل الأمر الذي يجب التعامل معه برؤية واقعية ومعطيات رئيسة، خاصة أن حركة «حماس» ستنتقل تدريجياً إلى واقعية قد تؤدي إلى متغيرات حقيقية مرتبطة بالفعل بالانفتاح على الإدارة الأميركية بهدف أن تكون لاعباً قوياً، بل رئيساً في ما يجري، وهو أمر مفترض أن يتم في إطار قبول حركة «حماس» بالتخلي عن إدارة القطاع، ومنحه للجنة إدارية تحت إشراف الحكومة الفلسطينية، وتجاوباً مع الطرح الدولي والعربي بضرورة إصلاح وضع السلطة الفلسطينية.
وبالتالي، فإن حجم المتغيرات المستجدة إثر زيارة الرئيس ترامب للمنطقة، وما ستفضي إليه من تطورات ستؤدي إلى مزيد من تغير المواقف، وسواء قبلت إسرائيل، أو تحفظت على ما يجري، فإن الخلافات في المواقف ستكون مطروحة في حال استمرار تعامل الإدارة الأميركية مباشرة بدعم وسطاء التفاوض مع حركة «حماس» ما سيفرض معادلة مقبولة ومهمة يمكن العمل من خلالها باعتبارها مساراً يمكن التحرك من خلاله، وهو ما قد يقابل سلسلة من التحديات حول دور «حماس» وإن ابتعدت عن إدارة المشهد، خاصة أن ملف حظر سلاح الفصائل الفلسطينية الموجودة في القطاع والتحكم فيه وضبطه سيحتاج إلى آليات محددة ومواقف آخر تتجاوز المطالبات الراهنة.
وفي حال نجاح المخطط الأميركي في توزيع المساعدات على سكان القطاع، والإقدام على إجراء تغييرات في آليات الحكم، فإن الأمر قد يواجه بأمور عدة متعلقة بطبيعة الدور العربي ومشروع الإعمار، وهو ما سيبقي محل خلاف كبيرة بين الإدارة الأميركية، وبعض المواقف العربية الرافضة لوجود أميركي أو إسرائيلي، ولو لمرحلة مؤقتة، ما قد يفشل بعض الخطوات الجاري الإعداد لها. طبيعي أن ينتقل الأمر بعد إتمام صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين إلى المرحلة التالية للاتفاق، وهو ما لم يحدث في ظل الرفض الإسرائيلي، والإجراءات التي تتبناها للتعامل مع القطاع، وهو ما قد يتوافق مع الموقف الأميركي الداعم برغم الخلافات الراهن مع الحكومة الإسرائيلية، إذ إن ما يجري في قطاع غزة يشير إلى أن الجانبين مضيا في مسار تدابير مشتركة وإجراءات متبادلة، انتظاراً لما يتم في سياق من التطورات السياسية بين الأطراف المختلفة، وهو ما يضعه الجانبان الأميركي والإسرائيلي في سياقه.
التحركات الدبلوماسية الأميركية ما تزال تتم مع حركة «حماس»، وعلى اعتبار أن الإفراج عن الأسرى والمحتجزين خطوة مهمة يمكن البناء عليها في ظل ضغوط أميركية على الحكومة الإسرائيلية، من أجل الانتقال إلى مرحلة جديدة تنغمس فيها الإدارة الأميركية في التنسيق مع هذه الحكومة برغم كل الخلافات، لأن البديل سيكون مزيداً من تباين الرؤى الذي لن يخدم أي طرف، بل سيؤدي إلى تجاذب سيكون الفائز الأول، والأخير منه حركة «حماس»، التي تتبع مبدأ نفعياً لإدارة المشهد وعينها على الحصول على شرعية الوجود، والاعتراف، وفقاً لسياسة الأمر الواقع.
الإدارة الأميركية وشخص الرئيس ترامب لديه رؤية حقيقية في حال استمرار الخلاف مع الحكومة الإسرائيلية، ربما تقوم على دعم البديل في معادلة الائتلاف الراهن القابل للتغيير ما قد يدفع لتفكك مكونات الائتلاف أو تغيير شخص نتنياهو، ولكن من الواضح أن هذا الأمر لن يلجأ إليه الرئيس ترامب إلا إذا قطعت شعرة معاوية بين الجانبين، وهو أمر مستبعد حتى الآن ، وإن كانت الخلافات ستبقى، لكن لن تؤثر على جوهر العلاقات وأصولها الراسخة.
*أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية.


