يحتفل العالم في 18 يونيو من كل عام باليوم الدولي لمكافحة الكراهية، ما يشير إلى الأهمية البالغة لتعزيز الحوار والتفاهم بين العرقيات والأديان والمذاهب والثقافات المختلفة وضرورة التصدي للعنصرية والتمييز. وفي إطار الاحتفال بهذا اليوم، تدعو الأمم المتحدةُ الحكوماتِ والمنظمات الدولية والمجتمع المدني والأفراد إلى تنظيم فعاليات ومبادرات تسهم في تحديد خطاب الكراهية والتصدي له بفعالية.
وتحظى هذه المناسبة بأهمية كبرى، بالنظر إلى أن ثقافة الكراهية تُعد من مصادر الشرور الكبرى في العالم، فهي إحدى عناصر إذكاء الصراع وتغذية النزاعات والحروب. ولا بد من التأكيد في هذا السياق على أن اشتعال الكراهية يطمس الفطرة السليمة للبشر التي تميل إلى التسامح والتعاطف مع الإنسان أيّاً كانت معتقداته وأفكاره، ما دامت لا تمس الآخرين ولا تسيء إليهم ولا تنتهك حقّاً من حقوقهم.
وتمثل هذه المناسبة فرصة لبيان جهود دولة الإمارات العربية المتحدة ونموذجها الخاص بتكريس ثقافة التسامح والتعايش والأخوّة الإنسانية، حيث إنها تعمل منذ سنوات طويلة على مواجهة ثقافة التطرف والعنف، وتفكيك خطاب الكراهية، وهي تقدم نموذجاً مهماً في هذا المضمار، إذ يعيش على أرضها أبناء أكثر من 200 جنسية، يمثلون أطيافاً متنوعة من الخلفيّات العرقية، والدينية، والثقافية، وهو ما يعكس نجاحَها في بناء مجتمع تعدّدي، يقوم على احترام الآخر، وسيادة القانون، وحرية المعتقد. 
ولطالما أكدت القيادة الرشيدة لدولة الإمارات أن جهود مواجهة الكراهية يجب أن تكون أولوية للدول والمنظمات والتكتلات الإقليمية والدولية ومنظمات المجتمع المدني والأفراد، وأن كلَّ مسعى نحو ترسيخ السلام وإنهاء الصراعات في أي مكان من العالم يجب أن يحظى بالدعم والمساندة والتأييد، على ألا يقتصر على إسكات صوت المدافع والبنادق، بل يجب أن يشمل إيقاف خطاب التحريض والكراهية ومنح الروابط الثقافية والتعاون الاقتصادي، فرصة لامتصاص التعصب، بما يعالج العداء من جذوره. 
وتبذل دولة الإمارات جهوداً بارزة ومتعددة الأبعاد في مكافحة خطاب الكراهية وتعزيز قيم التسامح والتعايش، سواء على الصعيد المحلي أو الدولي. فعلى الصعيد المحلي، يمكن الإشارة إلى المنظومة التشريعية المتقدمة لمواجهة الكراهية وتكريس التسامح في الإمارات، وفي مقدمتها القانون الاتحادي رقم 2 لسنة 2015 بشأن مكافحة التمييز والكراهية، والذي يُعد من أول القوانين في المنطقة التي تجرم الإساءة إلى الأديان أو الطوائف ونشر الكراهية عبر وسائل الإعلام والتمييز على أساس الدين أو العرق أو المذهب، كما يمكن الإشارة كذلك إلى تأسيس وزارة التسامح عام 2016، والتي تحمل حالياً مسمى وزارة التسامح والتعايش، والتي تهدف إلى ترسيخ قيم التعددية والتنوع، وتطوير سياسات عامة تعزز التسامح الديني والثقافي، وإطلاق مبادرات وبرامج تعليمية وثقافية لمكافحة التطرف وخطاب الكراهية.
أما على الصعيد الدولي، فإن دولة الإمارات حريصة على المشاركة بشكل منتظم في مؤتمرات الأمم المتحدة والمنتديات العالمية لمكافحة التطرف والكراهية، وهي تقدم الكثير من الدعم المالي واللوجستي لمبادرات عالمية تروج للتسامح بين الشعوب. والأهم في هذا السياق، وثيقة الأخوّة الإنسانية، التي تُعد دستوراً عالمياً للتعايش السلمي بين الدول والأمم والشعوب، بغض النظر عن اختلافاتها العرقية أو الدينية أو المذهبية. وقد تم التوقيع على هذه الوثيقة في أبوظبي عام 2019، وهي تدعو إلى احترام التنوع الديني والثقافي، ومناهضة العنف والتطرف باسم الدين، وبناء مجتمع عالمي يسوده التسامح والسلام.
لقد وضعت دولةُ الإمارات مكافحةَ الكراهية ونشرَ ثقافة التسامح في صميم سياساتها ومبادراتها، فقد أطلقت العديد من البرامج والقوانين التي تجرم خطاب الكراهية والتمييز، إلى جانب إنشاء مؤسسات تُعنى بالحوار والتعايش بين مختلف الثقافات والأديان. وتُعد هذه الجهود انعكاساً لرؤية تؤمن بأن السلام يبدأ من الداخل، وأن التنمية الحقيقية لا تكتمل إلا في بيئة يسودها الاحترام والتفاهم. ولا شك في أن تجربة الإمارات تقدم نموذجاً عالمياً يُحتذى به في ترسيخ قيم الإنسانية والعدل والتسامح.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.