شكّلت جريمة اغتيال الدبلوماسيين الجزائريين علي بلعروسي وعز الدين بلقاضي، لغزاً كبيرًا جدًّا بسبب الغموض الذي أحاط بفاعلها، وحساسية الظّرف الذي تمّت فيه. جاء اختطاف هذين الدبلوماسيين في جوٍّ غير عادٍ؛ الولايات المتّحدة الأميركية تخسر المعركة تدريجياً، وتتّجه نحو الانسحاب النهائي من العراق على مراحل. وثمة نقاط يجب أن تسجّل كي لا نتوه في التفاصيل:
1 - الجهة التي قتلت الشهيدين أكبر من تنظيم عراقي محلّي، و أكبر من فرع محلّي لمنظّمة دولية.
2- من قتل الشهيدين قادر في الوقت نفسه على افتعال ضجيج دولي من جهة، ومحاولة فرض توجّهات غير عادلة على الإرادة الجزائرية.
3ـ عدم وجود أي مطالب يدل دلالة مطلقة على أن القاتل جاء من الظّلام، ورحل إلى الظّلام بعد إتمام مهمّة لم يفصح عنها الرّسميون بعد. ويدل أيضاً على أن الخطف كان هدفاً بحدّ ذاته، هدف يتجاوز المعطى المحلّي إلى اللعبة الدولية.
4- القاتل قادر على (اختراق) الملف الجزائري بدقّة، واختراق الملف العراقي بذات الدقّة، ومن الواضح أن (اختراق دولة) وإرباك أدائها الإعلامي والسّياسي الرّسمي عمل لا تبرمجه سوى دولة، فليس في الأمر مجال للعب الهوّاة.
5ـ الفوضى التي عقبت الحادثة، سياسياً وعالمياً تلتقي، في صدفة محيّرة، مع المسعى المعلن في العقيدة العسكرية الأميركية الجديدة المسمّاة بـ"الفوضى الخلاقة"، والهادفة إلى إشاعة الاضطراب لكسر استقرار العالم العربي، الذي يراد كبت مقاومته للتنميط، ومقاومته لمنطق التركيع، ولعل اغتيال ممثلي أكبر دولتين عربيتين يفيد معنى الرغبة في كسر الوجدان العربي المساند للمقاومة، ولو بالصمت، والاستفزاز المؤدّي إلى مواقف مضطربة تؤصّل لفوضى وتفرّق بين الدول العربية، بل وبين الحاكم وشعبه.
لكن من القاتل؟ يستحيل الجزم في ظل ظرف دولي شديدة الخصوصية بمن وراء العملية، ولكن قائمة المستفيدين منها سوف توحّد أجنبياً مبتزاً و محلّياً راغباً في معارضة المصالحة الوطنية، إذا كان الاعتقاد باتّفاق مسبق على خطوات الحادث يبدو تجديفاً، فإن الاعتقاد باستغلال داخلي جيّد لخطّة خارجية جيدّة، يبدو قابلا للإقناع، ولعل الأيّام المقبلة قد تكشف المزيد من تفاصيل ما حدث.
أبوطالب شبّوب- صحفي جزائري