بتاريخ 30 سبتمبر، والخريف يدخل إلى مفاصل السلطة في بعض البلاد العربية، برزت ظاهرة جديدة في ربيع ثورات العالم العربي، بإطلاق شعار واحد في اليمن وسوريا معاً، والأرض تلتهب بنار الثورة في البلدين، والقبور تفتح أفواهها الجائعة لمزيد من ضحايا "البلاطجة" و"الشبيحة". هذه المرة حصل تبادل في الخبرات والشعارات بين الثورات العربية، كما حصل يوم الجمعة في نهاية سبتمبر: "جمعة النصرة لشامنا ويمننا". فهل نحن أمام ظاهرة رفع نفس الشعار للجمعات المقبلات في صنعاء وحمص؟ أهو تحالف حيوي بين "الجملوكيات"، يقابله تحالف بين شباب الثورة في الشام واليمن؟ ثم من أين انبجس هذا الشعار الذي ألهم المشاعر في البلدين؟ أصله من حديث شريف يتضمن القول: "اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا". ومن الأحاديث المروية حول اليمن أيضاً وصف جميل لأهلها: أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوباً، الإيمان يمان والحكمة يمانية". وفي الخليج يُعرف اليمنيون بطيبة أخلاقهم وإتقانهم للمهن وحبهم للتجارة ووداعتهم، ما يذكّر بصفات أهل الشام أيضاً. ويبدو أن هناك على مستوى العالم العربي حالياً تبادل للخبرات في الثورة، بدءاً من تونس وحتى اليمن، فالبوعزيزي لم يكن ليدرك طبيعة القوى التي أطلقها مع حرقه لنفسه! لقد أحرق مفاصل نصف درزن من الأنظمة في حريق هائل، فيما تتوقع مجلة "دير شبيجل" القادمَ على نحو أشد عمقاً. ليس هذا فقط، فنجاح الثورة السلمية في اليمن سيغير عقلية الإنسان العربي حول الآليات السلمية للتغيير. كما أن نجاح الثورة السلمية في سوريا قد ينقل شرارة الحريق إلى بعض الجوار، ومنه الخوف الإيراني من التغيير السوري. لقد قتل في ثورة مصر 800 شخص، وعدد نفوس مصر ثمانين مليوناً، أما عدد من قتلوا في سوريا حتى الآن ففاق ثلاثة آلاف، وهو عدد مرشح للزيادة، بينما لا يتجاوز عدد السوريين عشرين مليوناً، وهذا يعني أن مخاض سوريا أعسر من مصر بكثير، كما يعني أنه ربما لن يخلو بيت من قتيل أو مقعد أو جريح أو مصاب. إنها ضربة الميلينيوم، أي الحدث الذي لا يقع إلا مرة واحدة كل ألف سنة. وسوريا شأنها شأن اليمن لم تنل استقلالها فعلياً، لكنهما اليوم مقدمتان على الاستقلال والحرية الفعليين. كثيراً ما أردد أن الاحتلال الأجنبي والاستعمار الداخلي مثل التهاب الجلد الأحمر؛ مؤلم ونابض وواضح وسريع البداية والنهاية وسهل المعالجة، وأحياناً يُشفى بوضع الثلج عليه. وهي رحلة الخلاص من المحتل الخارجي. أما الاستبداد الداخلي فهو سرطان حقيقي، بطيء التدرج والانتشار، غير مؤلم وغير واضح، وحين يتم القبض عليه وكشفه يكاد يقترب العلاج من الاستحالة، وعمليته نازفة ودموية جداً. وذلك تقريباً ما نراه في اليمن وسوريا حالياً، لذا وجب التعاضد بين الاثنتين. والله يقول: "سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون". وسوريا واليمن ستَغلبان بإذن القوي القهار.