شمخاني: الأمن القومي والقبول الإقليمي
بعد يومين من قرار الرئيس الإيراني حسن روحاني تعيين الأميرال علي شمخاني أميناً لمجلس الأمن القومي الأعلى، خلفاً لسعيد جليلي الذي تقلد هذا المنصب منذ عام 2007، وفي إطار التغييرات التي يجريها روحاني على إدارته منذ تولى مقاليد السلطة خلفاً لأحمدي نجاد... أصدر المرشد علي خامنئي من جانبه، الخميس الماضي، مرسوماً بتعيين شمخاني ممثلاً له في المجلس بدلاً من روحاني نفسه الذي تقلّد مهامه الشهر الماضي رئيساً للجمهورية.
وكان شمخاني من قادة الحرس الثوري خلال الحرب العراقية الإيرانية، ثم تولى عدة مناصب، منها رئاسة لجنة السياسات الدفاعية الأمنية في مجلس الأمن القومي الأعلى، وقيادة الحرس الثوري، ووزارة الدفاع. ورغم ذلك فإنه يُعتَبَر أحد الشخصيات الإصلاحية، كما يعد وجهاً مقبولاً على الصعيد الإقليمي، وقد عرف بنشاطه السياسي والديني في الشارع الإيراني، وكان أحد المرشحين في انتخابات الرئاسة الإيرانية عام 2001.
وقد ولد علي صالح شمخاني عام 1955 في مدينة الأهواز (الأحواز) بإقليم عربستان (خوزستان) ذي الأغلبية العربية، لعائلة من عشيرة الشماخنة، أحد بطون قبيلة «ربيعة» العربية ذات الجذور في العراق والجزيرة العربية والأردن. وقد تخرج شمخاني في كلية الزراعة في جامعة الأهواز، كما حصل على شهادة الماجستير في الإدارة من جامعة طهران، وأخرى في العلوم العسكرية.
وانتسب شمخاني في أواخر عهد الشاه إلى مجموعة دينية مسلحة سرية في مدينة الأهواز، قامت ببعض العمليات العسكرية المناوئة للنظام. وبعد تفجر الثورة الإيرانية انخرط في العمل الأمني والعسكري فأصبح قائداً لقوات «لجان الثورة الإسلامية» في إقليم خوزستان، ثم ساهم في تأسيس الحرس الثوري الإيراني، وكان أول قائد له في خوزستان، ليصبح بعد ذلك قائداً لقواته البرية، ثم نائب قائده العام. وخلال سنوات الحرب العراقية الإيرانية (1980 – 1988) قاتل شمخاني في صفوف الحرس الثوري ضد القوات العراقية، وشهد مصرع اثنين من أشقائه في تلك الحرب، مما رفع رصيده لدى السلطات الإيرانية التي عادة ما تنظر بريبة لمواطنيها العرب. وأصبح وزيراً لقوات الحرس الثوري في حكومة مير حسين موسوي (1981-1988)، حين كان الحرس الثوري وزارةً بذاته، وقبل إلغاء منصب الوزير الأول بموجب دستور عام 1989. ثم عينه المرشد خامنئي (القائد العامة للقوات المسلحة الإيرانية)، في عهد الرئيس رفسنجاني (1988– 1997)، قائداً لقوات البحرية. وفي هذا المنصب قدّم شمخاني أهم عطاءاته، حيث عمل على تحديث البنية العسكرية للقوات البحرية، بتطوير الأسلحة والتكتيكات والعمليات المشتركة للقوتين البحريتين التابعتين للجيش والحرس الثوري الإيرانيين. وبعدئذ تولى حقيبة الدفاع في حكومتي خاتمي (1997- 2005).
أما في عهد نجاد فعينه خامنئي عضواً في المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية ورئيساً لمركز الدراسات الاستراتيجية للقوات المسلحة الإيرانية (2005 -2013)، كما كان خلال الفترة ذاتها المستشار العسكري لخامنئي.
ورغم قربه من المرشد خلال هذه السنوات، فإن شمخاني ينظر إليه في إيران على أنه إصلاحي أو قريب من الإصلاحيين ومنحاز إلى الجناح الأكثر واقعية للسياسات الإيرانية، والذي عانى خلال ثماني سنوات من حكم نجاد. وهي النظرة التي تؤكدها تصريحاته المعتدلة حول علاقات إيران بمحيطها الإقليمي.
وقام شمخاني، خلال توليه حقيبة الدفاع، بزيارة تاريخية للملكة العربية السعودية في عام 2004، حيث منحه العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز، وكان ولياً للعهد، «وسام الملك عبد العزيز»، لدوره في إزالة التوتر وتطوير العلاقات بين الدول العربية الخليجية وإيران.
ويكتسب الموقع الجديد لشمخاني، على رأس مجلس الأمن القومي الأعلى، أهميته من اعتبارين؛ أولهما أن المجلس يتولى ملف المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني مع الغرب، وهو ملف تتعرض بسببه إيران لعقوبات دولية شديدة نالت من وضعها الاقتصادي بشكل كبير. أما الاعتبار الثاني فهو الوظائف الحيوية التي التي يتولاها المجلس في مجال الأمن الوطني الإيراني، فهو أعلى وأهم مؤسسة ترسم الاستراتيجيات الأمنية للبلاد، حيث تشير المادة 176 من الدستور الإيراني إلى أنه يتم تشكيل مجلس الأمن القومي الأعلى برئاسة رئيس الجمهورية بهدف تأمين المصالح الوطنية وحراسة الثورة ووحدة أراضي البلاد وسيادتها الوطنية، وذلك لوضع السياسات الدفاعية والأمنية، وتنسيق النشاطات السياسية والأمنية والاقتصادية ذات العلاقة بالخطط الدفاعية العامة، والاستفادة من الإمكانات المادية والمعنوية للبلاد لمواجهة التهديدات الداخلية والخارجية.
هذا، ويتكون أعضاء المجلس من رؤساء السلطات الثلاث، ورئيس هيئة أركان القيادة العامة للقوات المسلحة، ومسؤول شؤون التخطيط والميزانية، ومندوبين يعينان من قبل القائد الأعلى، ووزراء الخارجية والداخلية والأمن، وأعلى مسؤولين في الجيش والحرس الثوري.
ويقوم مجلس الأمن القومي الأعلى بتعيين المجالس الفرعية، مثل مجلس الدفاع ومجلس أمن البلاد. ويحدد القانون حدود صلاحيات المجالس الفرعية ووظائفها، وتتم المصادقة على تنظيماتها من قبل المجلس الأعلى، وتكون قرارات مجلس الأمن القومي الأعلى نافذة المفعول بعد مصادقة القائد عليها.
ويبدو أن روحاني، وبتأييد من خامنئي، يرمي بتعيينه شمخاني أميناً لمجلس الأمن القومي الأعلى، إلى تحقيق عدة أهداف؛ في مقدمتها إرضاء الإصلاحيين، حيث خوّل خامنئي مجلس الأمن القومي مهمة النظر في موضوع قادة الحركة الخضراء المحتجزين، خاصة موسوي وكروبي.
كما أن تعيين شمخاني، وهو مهندس تحسين العلاقات الإيرانية السعودية، والذي سبق أن وقّع- عندما كان وزيراً للدفاع- الاتفاقية الأمنية بين الرياض وطهران، مما ساهم في إزالة العديد من العوائق بين البلدين... هو رسالة طمأنة مهمة للجوار العربي.
هذا علاوة على رسالة أخرى مفادها الرغبة في إشراك عرب الأهواز، رغم ما يعتقده بعضهم من أن شمخاني أعطى الأولوية دائماً لولائه الأيديولوجي للنظام، وليس لقومه الذين ترعرع في أحضانهم، ومن ثم فهو يمثل سلطة المركز ولا يمثلهم! ومن هنا جاء التعيين المزدوج الذي حظي به الأسبوع الماضي من رأس السلطة، على رأس أهم جهاز يُعنى برسم وإدارة السياسات الاستراتيجية لإيران.
محمد ولد المنى