نولاند: أزمة أوكرانيا و«الخطأ» بحق أوروبا!
تحاول مساعدة وزير الخارجية لأميركي لشؤون أوروبا وأوراسيا، فيكتوريا نولاند، إيجاد حلول للأزمة الأوكرانية بين النظام والمعارضة، وقد كثفت محاولاتها منذ أواسط ديسمبر الماضي عندما قامت بزيارة للمتظاهرين المؤيدين لأوروبا. لكنها اضطرت الخميس الماضي لمعالجة أزمة أخرى وتقديم اعتذار للاتحاد الأوروبي، بعد أن تفوهت عبر الهاتف بعبارات بدت خالية من الدبلوماسية حيال الاتحاد ودوره في أوكرانيا، كما يتبين من شريط منشور على اليوتيوب، حيث قالت: «فليذهب الاتحاد الأوروبي إلى الجحيم»، وكانت تتحدث مع رجل يعتقد أنه سفير الولايات المتحدة في كييف حول تسوية الاضطرابات السياسية في أوكرانيا.
وجاء أول رد فعلي أوروبي من جانب المستشارة الألمانية التي اعتبرت أن التصريحات المهينة الصادرة عن الدبلوماسية الأميركية «غير مقبولة على الإطلاق». هذا في الوقت الذي لم تندمل فيه بعد جراح الإهانة التي استشعرها الأوروبيون جراء عمليات التنصت والتجسس الأميركية على ملايين المكالمات الهاتفية والرسائل الإلكترونية في بلدانهم، بما في ذلك الهواتف الشخصية لبعض الرؤساء ورؤساء الحكومات.
وكأنه لم يكف الولايات المتحدة من الأزمات مع حلفائها الأوروبيين ما أشعلته الأنشطة التجسسية لاستخباراتها الوطنية، فإذا هي أمام أزمة أخرى مع شركائها الأوروبيين، بسبب تصريحات لأعلى مسؤولة في الخارجية الأميركية عن ملف العلاقات مع أوروبا!
وتعد نولاند من أبرز الدبلوماسيات العاملات في وزارة الخارجية الأميركية حالياً، والتي انضمت إليها منذ حوالي ثلاثين عاماً. وفيكتوريا نولاند جين، المولودة في نيويورك عام 1961، هي ابنة شيرون نولاند، أستاذ أخلاقيات الطب الحيوي بجامعة ييل. وقد تخرجت من جامعة «تشاوت روزماري هول» عام 1979، وحصلت على درجة الماجستير من جامعة براون عام 1981. وهي متزوجة من المؤرخ روبرت كاجان، ولديها منه طفلان. وإضافة إلى لغتها الإنجليزية الأم، فهي تتحدث اللغتين الروسية والفرنسية.
وقد عملت نولاند مع الإدارات الديمقراطية والجمهورية على حد سواء؛ فخلال إدارة كلينتون، عملت مديرة لمكتب مساعد وزير الخارجية ستروب تالبوت، قبل أن تصبح نائب مدير إدارة شؤون الاتحاد السوفييتي السابق. أما أثناء إدارة بوش الابن، فشغلت منصب نائب المستشار الرئيسي للسياسة الخارجية لنائب الرئيس تشيني، ثم أصبحت سفيراً للولايات المتحدة لدى «الناتو». وخلال إدارة أوباما، عملت نولاند لبعض الوقت مبعوثة معنية بملف القوات المسلحة الأميركية في أوروبا، قبل توليها منصب المتحدث باسم وزارة الخارجية في صيف 2011. لكن في مايو 2013 تم ترشيحها لتكون مساعدة وزير الخارجية لشؤون أوروبا وأوراسيا، رغم اعتراضات الجمهوريين الذين اتهموها بالمساهمة في تضليل الكونجرس والشعب حول الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي (2012)، والذي قتل فيه أربعة أميركيين بينهم السفير كريستوفر ستيفنز. وقد كشفت مراسلات نشرها البيت الأبيض حصول نقاش بين مسؤولين أميركيين كبار في عدة هيئات حكومية حول التعبير الرسمي الذي يجب اعتماده مع الكونجرس ووسائل الإعلام لوصف الهجوم وملابساته. وكان البيت الأبيض قد نسب الهجوم في البداية إلى تظاهرة عفوية خرجت عن السيطرة وليس إلى تنظيم متطرف، كما تبين لاحقاً.
وعلى هذه الخلفية كانت نولاند أحد مسؤولي وزارة الخارجية الذين تعرضوا للانتقاد وتم اتهامهم بالتستر على ذلك الهجوم، حيث كشفت وسائل الإعلام الأميركية أن مذكرات بشأن الحادث عدلت لإسقاط الإشارة إلى تحذير وكالة المخابرات المركزية من تهديد لتنظيم «القاعدة». وفي إحدى الرسائل الإلكترونية المتبادلة بين الخارجية والبيت الأبيض، وقد تم فيها استخدام مذكرات «نقاط الحديث»، اعترضت نولاند، وكانت حينها المتحدثة باسم الخارجية، على إرفاق إشارة وكالة المخابرات المركزية إلى معلومات بشأن تهديد من «القاعدة» في بنغازي وشرق ليبيا، وكتبت في الرسالة أن هذا «يمكن أن يساء استخدامه من جانب أعضاء في الكونجرس للهجوم على وزارة الخارجية لعدم انتباهها للتحذيرات... فلماذا نرغب في إرفاق هذا أيضاً؟ أشعر بالقلق». كما اتضح أن نولاند كانت قلقة من أن «المخابرات المركزية تحاول تبرئة ذمتها على حساب وزارة الخارجية».
لكن رغم ما رآه خصومها «هفوات» ارتكبتها في التعاطي مع هجوم بنغازي، فقد حظيت نولاند بدعم أوباما الذي قرر ترقيتها لمنصب مساعد وزير الخارجية، التعيين الذي أقره مجلس الشيوخ في سبتمبر الماضي، لتتولى نولاند الإشراف على ملف العلاقات بين واشنطن وموسكو. وقد أكدت أمام مجلس الشيوخ أن إدارة أوباما تسعى لرفع العلاقات مع روسيا إلى مستوى جديد، مشيرة إلى ضرورة التعاون بفعالية مع موسكو من أجل حل القضايا الدولية.
بيد أنه لا يمكن ملاحظة أي تحسن طرأ على علاقات الدولتين، لاسميا في ضوء تباين مواقفهما بشأن أزمتي سوريا وأوكرانيا. وفيما يخص أوكرانيا تحديداً تتمسك موسكو بالرئيس يونيكوفيتش الذي يواجه معارضة داخلية قوية مؤيدة للغرب ولمشروع اتفاقية سبق أن رفضها يونيكوفيتش تمهد لعضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي. ولم تستطع الدبلوماسية الأميركية إقناع موسكو بتغيير موقفها من الأزمة الأوكرانية، بل انخرطت في الاستقطاب بتجلياته الداخلية وامتداداته الخارجية، وقامت نولاند نفسها، أواسط ديسمبر الماضي، رفقة السفير الأميركي في أوكرانيا، بتوزيع الخبز على المتظاهرين والشرطة في ميدان الاستقلال. وهو تصرف أثار غضباً مكتوماً في موسكو ضد نولاند شخصياً. لذلك تشير التصريحات الأميركية، والتي لم تنف صحة نسبة الشريط المسجل على اليوتيوب إلى نولاند، بأصابع الاتهام للسلطات الروسية، حيث أشارت المتحدثة باسم الأميركية جنيفر بساكي إلى احتمال أن يكون تسجيل المكالمة وبثها من فعل الاستخبارات الروسية. وحذرت من أنه «إذا كان قد تم تسجيل هذه المكالمة وبثها، فنحن إزاء انتهاك لمكالمة خاصة».
ومهما يكن فإن مسارعة مساعدة وزير الخارجية الأميركي لتقديم اعتذار حول ما ورد في ذلك الشريط، يوم الخميس الماضي، ساهم في سرعة احتواء الأزمة مع الاتحاد الأوروبي. بينما كان للدور الذي اطلعت به نولاند في صياغة توصيف رسمي لهجوم بنغازي، تداعيات داخلية استمرت لعدة أشهر على العلاقة بين البيت الأبيض والكونجرس... وقد تساءل الأميركيون سابقاً: كيف لا يخطئ من يعمل؟ وربما يتساءلون الآن: كيف لا يحدث الأزمات من يخطئ؟
محمد ولد المنى