نقترب بسرعة من 20 يوليو، اليوم الذي حُدد لنهاية المفاوضات بشأن اتفاق شامل حول برنامج إيران النووي. والواقع أن هذه المفاوضات تتعلق باختيار بالنسبة للزعماء الإيرانيين، بين الموافقة على الخطوات الضرورية لطمأنة العالم بأن برنامج بلادهم النووي سيكون سلميا، أو إهدار فرصة تاريخية لإنهاء عزلة إيران الدبلوماسية والاقتصادية وتحسين حياة شعبها. ولا شك أن الدبلوماسية والزعامة تتميزان باتخاذ قرارات صعبة أحيانا، ولكن هذا لا ينبغي أن يكون واحدا منها. لقد سبق للمسؤولين الإيرانيين أن صرحوا مرارا وتكرارا وبشكل واضح لا لبس فيه بأنه لا نية لديهم في صنع سلاح نووي وأن أنشطتهم النووية تهدف إلى تحقيق احتياجاتهم المدنية فقط. وإذا افترضنا أن ذلك صحيح، فإنه ليس من الصعب إثباته. لقد أظهرت الولايات المتحدة وشركاؤنا لإيران مدى جديتنا. فخلال المفاوضات حول مخطط عمل مشترك، مددنا يدنا للإيرانيين والتقينا معهم بشكل مباشر لفهم ما تريده إيران من برنامجها النووي، وقمنا، إلى جانب شركائنا الدوليين، بالمساهمة في رسم طريق يسمح لإيران بامتلاك برنامج مدني للأغراض السلمية، وأثبتنا أننا نتحلى بالمرونة بخصوص تخفيف العقوبات المالية. وقامت إيران بإزالة مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى مستويات عالية، وحدّت من قدرتها على التخصيب عبر إحجامها عن تركيب أو تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة، وامتنعت عن القيام بمزيد من عمليات التطوير في منشآتها الخاصة بالتخصيب ومفاعل الماء الثقيل، وسمحت بعمليات تفتيش جديدة وأكثر تواتراً. وبالمقابل، قدم الاتحاد الأوروبي ومجموعة 5+1 لإيران تخفيفا محدودا للعقوبات المالية حتى في وقت ظلت فيه هندسة العقوبات الدولية والأغلبية الساحقة من العقوبات نفسها قائمة. والآن، يجب على إيران أن تختار. فخلال المفاوضات الشاملة، كان الهدف الرئيسي للعالم هو أن تقرن إيران كلماتها بإجراءات ملموسة وقابلة للتحقق. فاقترحنا خلال الأشهر القليلة الماضية سلسلة من التدابير المعقولة والسهلة والقابلة للتحقق التي من شأنها أن تؤكد أن إيران لن تستطيع الحصول على سلاح نووي وأن برنامجها سيقتصر على الأغراض السلمية، على أن تحصل إيران، بالمقابل، على تخفيف تدريجي للعقوبات المتعلقة ببرنامجها النووي. فماذا ستختار إيران؟ الواقع أننا لا نعرف رغم أشهر عديدة من المفاوضات. ولكننا نعرف أن فجوة مهمة مازالت موجودة بين ما يقول المفاوضون الإيرانيون إنهم مستعدون للقيام به وما يجب عليهم أن يقوموا به للتوصل إلى اتفاق شامل. كما أننا نعرف أن تفاؤلهم العلني بشأن النتيجة الممكنة لهذه المفاوضات لا ينسجم، حتى الآن، مع المواقف التي يشددون عليها خلف الأبواب المغلقة. هذه الهوة لا تعزى إلى مطالب مبالغ فيها من جانبنا. بل على العكس، ذلك أن مفاوضي الاتحاد الأوروبي ومجموعة 5+1 استمعوا باهتمام إلى أسئلة إيران وبواعث قلقها وأبدوا مرونة إلى أقصى حد ممكن تسمح به أهدافنا الأساسية في هذه المفاوضات. كما أننا عملنا بشكل وثيق مع إيران من أجل تحديد طريق لبرنامج يستوفي جميع الشروط والمتطلبات بخصوص الأغراض المدنية والسلمية. غير أنه مازال ثمة تفاوت بين نية إيران المعلَنة في ما يتعلق ببرنامجها النووي والمحتوى الحقيقي للبرنامج حتى الآن. والواقع أن الانقسام بين ما تقوله إيران وما قامت به يبرز لماذا تعتبر هذه المفاوضات ضرورية، ولماذا اتحد المجتمع الدولي لفرض العقوبات أصلا. إن زعم إيران بأن على العالم أن يثق في كلماتها يتجاهل حقيقة أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية سجلت منذ 2002 العشرات من الانتهاكات من قبل إيران لالتزاماتها الدولية المتعلقة بحظر الانتشار النووي. وهو مارد عليه مجلس الأمن الدولي عبر تبني أربع قرارات تحت الفصل السابع تطالب إيران باتخاذ الخطوات اللازمة لمعالجة هذه الانتهاكات. فهذه المشاكل لا يمكن إنكارها، ويجب أن تعالج من قبل الإيرانيين إذا كان يراد التوصل لاتفاق شامل. وهذه ليست توقعات بلد واحد معين، ولكنها توقعات الجميع؟ وللحصول على تخفيف للعقوبات، لا يطلب العالم من إيران سوى أن تُثبت أن أنشطتها النووية هي بالفعل كما تصفها. قبل تسعة أشهر، كتب الرئيس الإيراني حسن روحاني في صحيفة «واشنطن بوست» يقول: «إن السياسة الدولية لم تعد معادلة صفرية وإنما ساحة متعددة الأبعاد حيث كثيرا ما يحدث التعاون والتنافس بشكل متزامن... إن المتوقع من زعماء العالم هو الزعامة في تحويل التهديدات إلى فرص». كان هذا هو السياق الذي جعل فيه الرئيس أوباما الولايات المتحدة تلتزم ببحث إمكانية حل متفاوض بشأنه لمشكلة إيران النووية. وقد دخلنا هذه العملية التفاوضية لأننا آمننا بأن لديها فرصة حقيقية للنجاح. والواقع أنه ما زالت لديها فرصة حقيقية للنجاح، ولكن الوقت أخذ ينفد. والأكيد أنه إذا استطاعت إيران القيام بهذه الاختيارات، فإنه ستكون ثمة نتائج إيجابية للشعب والاقتصاد الإيرانيين، حيث ستكون إيران قادرة على استعمال خبرتها العلمية المهمة في التعاون النووي المدني الدولي. كما سيمكن للتجارة أن تعود إلى إيران، ما سيجلب استثمارات ووظائف والكثير من السلع والخدمات الإضافية. وستستطيع إيران الوصول إلى النظام المالي الدولي بقدر أكبر. والنتيجة ستكون اقتصادا إيرانيا يبدأ في النمو بوتيرة مهمة ومستديمة، ما سيرفع مستوى المعيشة بين سكان إيران. أما إذا كانت إيران غير مستعدة للقيام بذلك، فإن العقوبات الدولية ستشتد وعزلة إيران ستتعمق. إن مفاوضينا سيعملون بشكل مستمر في فيينا من الآن إلى العشرين من يوليو. وقد يكون ثمة ضغط لإضافة مزيد من الوقت، ولكن تمديد الوقت غير ممكن إذا لم يوافق الجانبان على ذلك، والولايات المتحدة وشركاؤنا لن يوافقوا على تمديد زمني من أجل تمديد المفاوضات فقط. ولذلك، على إيران أن تُظهر إرادة حقيقية للرد على التخوفات المشروعة للمجتمع الدولي في ما تبقى من وقت. في هذا العالم المضطرب، لا تتاح الفرصة كثيرا للتوصل بشكل سلمي لاتفاق يلبي الاحتياجات الأساسية لكل الأطراف، ويجعل العالم أكثر أمانا، ويخفف التوتر الإقليمي، ويتيح مزيدا من الرخاء. ولكن اليوم لدينا مثل هذه الفرصة، حيث من الممكن تحقيق اختراق تاريخي. إنها مسألة إرادة سياسية وإثبات حسن النوايا، وليس مسألة قدرة. إنها مسألة اختيار. فليكن اختيارنا حكيما. جون كيري وزير خارجية الولايات المتحدة ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»