يحتفل الشعب الأفغاني اليوم في كابول بتنصيب رئيسهم الجديد، الذي سيعمل بالتعاون مع أول رئيس تنفيذي في الدولة، في أول انتقال ديمقراطي للسلطة في تاريخ أفغانستان، وأول انتقال للقيادة بصورة سلمية منذ ما يربو على أربعة عقود. ولم يكن الوصول إلى هذه المرحلة سهلاً، ويرجع الفضل في ذلك بصورة أساسية إلى الملايين الذين ذهبوا بشجاعة إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في أبريل ويونيو متحدين تهديدات حركة «طالبان». وقد كانت رسالة الناخبين جلية لا لبس فيها: لن تقف أية متفجرات مزروعة على جانب الطريق أو أي مفجرين انتحاريين في طريق المستقبل الديمقراطي لدولتهم. ويرجع الفضل أيضاً إلى أشرف غاني وعبدالله عبدالله، رجلي الدولة اللذين وضعا مصالح دولتهما أولاً وأقدما سوياً على تشكيل حكومة وحدة وطنية عقب انتخابات رئاسية أثارت جدلاً كبيراً. وقد أيّدت الولايات المتحدة عملية انتخابية شاملة تتمتع بالشفافية والمصداقية من دون محاباة أي مرشح على حساب الآخر. ونتيجة لحياديتنا والتزامنا الواضحين تجاه العملية الديمقراطية في أفغانستان طلب كلا الجانبين مساندتنا عندما ظهرت مزاعم تزوير في الانتخابات بعد جولة الإعادة. وبالطبع ساعدنا المشرحين على التعامل مع قضية التزوير والانقسام السياسي الخطير الذي كان محتملاً، لكن الأفغان وحدهم هم من اتخذوا القرارات الحاسمة. وبالنسبة للمواطنين الأميركيين في الداخل ممن يسارعون إلى التشكيك في الديمقراطية الأفغانية، ربما يتعين عليهم أن يسألوا أنفسهم بشأن ما إذا كانوا يعتقدون أنه ـ في أقل من تسعين يوماً ـ هل كان يمكن لمرشحين رئاسيين أميركيين أن يحولا حملة انتخابية محتدمة وساخنة إلى حكومة وحدة وطنية بتفويض قوي استثنائي لإدارة دفة الحكم. (عليهم إذن أن يقلبوا صفحات التاريخ ويعودوا إلى انتخابات عام 2000، فقد تثير الإجابة الخزي أو على الأقل تظهر مدى صعوبة ذلك). وبالطبع لم تكن العملية سهلة. وكان هناك كثير من لحظات التوتر، بدا عندها على الأرجح أن مستقبل أفغانستان السياسي يمكن أن ينحدر إلى اتجاهات خطيرة. ولكن في نهاية المطاف، انتصرت الحنكة والتسوية السياسية. وربما يمكن لواشنطن أن تأخذ درساً من كابول. ولكن إلى أين ننطلق من هذه المرحلة؟ لقد وضعت حكومة أفغانستان الجديدة رؤية مشتركة للإصلاح الاقتصادي والحكومة الرشيدة والأمن والسلام. وأدار كل من غاني وعبدالله حملاتهما الانتخابية على أساس تشكيل إدارة موسعة وشاملة، تتجسد في حكومة وحدة وطنية تكون سبيلهما للوفاء بوعودهما. ولابد من الوفاء بهذه الوعود الآن بالأفعال لا بالأقوال. ولم تنته القرارات الحاسمة بين الأفغان بتشكيل حكومة الوحدة أو بتنصيب الرئيس، وإنما في الواقع ستبدأ؛ ذلك أن الشعب الأفغاني وحكومته الجديدة يواجهان تحديات اقتصادية وأمنية خطيرة. وستعاون المساعدات الأميركية والدولية المتواصلة، إلى جانب الإصلاحات الاقتصادية التي وعد بها القائدان السياسيان الجديدان في أفغانستان الدولة على تقليص عجز الموازنة. وقد تعهد الرئيس غاني والرئيس التنفيذي عبدالله ناخبيهما بأنهما سيوقعان الاتفاقية الأمنية الثنائية بين أفغانستان والولايات المتحدة من بين أول الإجراءات التي سيقومان بها في السلطة. ومن شأن هذه الاتفاقية أن توفر إطار عمل قانونيا كي تواصل الولايات المتحدة تقديم التدريب والمشورة والمساعدة لقوات الأمن الوطني الأفغانية، لكي لا تصبح أفغانستان مرة أخرى ملاذاً آمناً للإرهابيين. وعلى رغم وجود تحديات أمام المضي قدماً نحو المستقبل، فإن لدينا دليلاً ملموساً بالفعل على أن أفغانستان يمكنها التغلب على كافة الصعاب: ولننظر إلى كافة الخطوات المهمة التي تم اتخاذها خلال العقد الماضي. فالأفغان يعيشون الآن حياة أطول بصحة أفضل، وتذهب الفتيات إلى المدارس، وتُثقّف وسائل الإعلام الحرة المواطنين. ويحارب الجنود الأفغان ويموتون ويصمدون أيضاً من أجل الدفاع عن دولتهم. وبالتعاون مع المجتمع الدولي، ستكون المساعدات الأمنية والاقتصادية التي تعهدنا بها في شيكاغو وطوكيو ضرورية من أجل إحراز تقدم خلال العقد المقبل. ولقد تم تحقيق مكاسب على مدار العقد الماضي، من أجل أمن دولتنا وحلفائنا ودفاعاً عن حياة الشعب الأفغاني، ببذل الغالي والنفيس. وعليه، يجب ألا نضيعها. وقد ذكّرت الرجلين اللذين يقودان الآن أفغانستان أننا كنا ملتزمين تجاه دولتهما لفترة طويلة من الزمن، ولكننا كنا نقيس ذلك الالتزام بقدرتنا على النظر بمصداقية إلى عيون محارب قديم معاق أو أم ثكلى فقدت أحد أبنائها في الحرب وأن نخبرهم أننا «ماضون إلى الأمام والأفغان أنفسهم سيتوصلون إلى التسويات ويحكمون بأنفسهم وبفاعلية كما قاتل وضحى الأميركيون معهم ومن أجلهم خلال السنوات العشر الماضية». ومهمتنا الآن هي أن ندعم أفغانستان من أجل الأفغان، وأن نبقى ملتزمين تجاه دولة يؤمن شعبها بمستقبل أفضل وحكومة شاملة تخدمهم جميعاً. وحتى مع التوصل إلى ذلك الانتقال السياسي وتولي أفغانستان مسؤولية أمنها، يجب أن نواصل دعم هذا الطموح. --------- يُنشر بترتيب خاص مع «خدمة واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»