على الرغم من كل الأسباب، التي تدعو للقلق والاستنكار التي يمكن أن أفكر فيها، فإنني أشعر بالتفاؤل بمناسبة الاحتفال بيوم الأرض هذا العام. وسبب تفاؤلي يرجع للدروس التي تعلمتها في أول يوم أرض منذ 47 عاماً، عندما كنت واحداً من 20 مليون أميركي خرجوا آنذاك إلى الشوارع لمطالبة القادة بحماية بيئتنا. وقبل يوم الأرض الأول، لم يكن هناك وكالة لحماية البيئة، كما لم يكن هناك قانون للماء النظيف، ولا قانون للهواء النظيف، على النحو الذي نعرفه الآن. في ذلك اليوم، أرسل الناس إشارة للمطالبة بهذه الأشياء، ولم يكن أمام السياسيين من خيار سوى الامتثال. لقد قطع العالم رحلة طويلة من يوم الأرض عام 1970 إلى يوم الأرض عام 2016، عندما انضممت إلى قادة ما يزيد على 100 دولة للتوقيع على اتفاقية باريس للتغير المناخي. وعندما جاء دوري كي أمسك بالقلم، وأوقع على الاتفاقية، كانت حفيدتي «إيزابيل» البالغة من العمر عامين، تجلس على حجري. في ذلك اليوم، شعرت بأن يوم الأرض لم يعد يمثل هماً أميركياً فحسب، وأن ممثلي العالم بأسره يجتمعون في باريس من أجل مستقبل إيزابيل وغيرها من الأطفال، في أركان المعمورة الأربعة. إنني أدرك في يوم الأرض 2017 أن درجة اليقين تجاه المستقبل قد باتت أقل قليلاً مما كانت عليه، وهو أمر مفهوم. ولكن- ولنفس الأسباب التي جعلت الجهود النشطة المدفوعة من قبل الناس، تقلب هياكل الطاقة رأساً على عقب في سبعينيات القرن الماضي- فإن الأمر المؤكد هو أن هناك شيئاً كبيراً قد بدأ في الحدوث في مختلف أنحاء العالم، وهو شيء قد يمكن إبطاء وتيرته، ولكن لا يمكن إيقافه بحال. والشاهد أن سوق الطاقة الأميركي، قد بات الآن في منتصف عملية تحول جذرية- وهو أمر حقيقي بصرف النظر عن سياسات واشنطن. فالعام الماضي كان هو العام الثالث على التوالي، التي كونت فيه تقنيات الطاقة المتجددة، وعلى وجه الخصوص طاقة الرياح والطاقة الشمسية، ما يزيد على نصف قدرة التوليد التي أضيفت لشبكة الطاقة الأميركية. لقد بات واضحاً أن التحول في مجال الطاقة، قد بات اتجاهاً عالمياً بامتياز؛ وأن القادة في كل مكان، باتوا مدركين للفرص المتاحة أمامهم في هذا المجال. فالحكومة الهندية على سبيل المثال تمضي قدماً في تنفيذ خطط ترمي لتوليد 100 جيجاوات من الطاقة الشمسية بحلول 2020. أما الصين، فقد أعلن رئيسها شي جينبينج مؤخراً عن تخصيص استثمارات مقدارها 361 مليار دولار أميركي لتوليد الطاقة النظيفة. والرئيس الحالي للولايات المتحدة الذي أمضى مسيرة مهنية طويلة في مجال الأعمال التجارية، والمحاط بوزراء ترأسوا شركات، تندرج ضمن قائمة أكبر 500 شركة في العالم، يجب أن يكون مقتنعاً بهذا الاتجاه العالمي. والمشروعات التجارية في الولايات المتحدة، وحكوماتها المحلية وحكومتها الفيدرالية أصبحت تدرك جيداً، ما ينطوي عليه المستقبل، وترسم خططها بناء على ذلك، وهو ما يجعلني واثقاً من أن الولايات المتحدة لن تفي بأهداف تقليص الانبعاثات الغازية، التي وضعها الرئيس أوباما ولكنها ستتجاوزها، حتى لو تبنت الإدارة الجديدة السياسة غير الرشيدة، القائمة على التراجع عن هذه الأهداف. إن اتفاقية باريس لم تكتب بين عشية وضحاها، ولكنها كانت محصلة عقود من المفاوضات والمناقشات. لقد اجتمع المجتمع الدولي في اتفاقية باريس حول فهم مشترك، مؤداه أن كل دولة من الدول الموقعة على الاتفاقية، يتعين عليها العمل بموجب بنودها في نهاية المطاف. والنص الختامي للاتفاقية ليس ملزما قانونياً، ولكنه يركز بدلاً من ذلك، وبشكل جذري، على مبدأ المسائلة المتبادلة؛ وعلى التزام المجتمع الدولي بالعمل كوحدة واحدة لتحقيق أقصى تأثير ممكن؛ مع قيام كل دولة بالإبلاغ بشكل منتظم عن مدى التقدم الذي حققته في مجال تحقيق أهداف الاتفاقية، ومساءلة كل منها الأخرى عن أي تقصير. إنني أميل لتخيل أن معظم الدول قد اعتقدت أن الولايات المتحدة يجب أن تكون هي الدولة القائدة للتوجه الخاص بممارسة ضغط على الدول المقصرة ومساءلة الدول لبعضها بعضاً على مدى التزامها أو عدم التزامها بتنفيذ تعهداتها. ولكن ما تبين من التطبيق العملي هو أن الولايات المتحدة لم تكن قائدة ولا أي شيء من هذا القبيل، وإنما مجرد دولة من الدول التي بلغ عددها 196 التي تبنت الاتفاقية. يجب ألا نسمح للخلل الأدائي في واشنطن أن يمنح القادة الآخرين في العالم تصريحاً مفتوحاً بالتراجع عن الإحساس الجسور بالتعاون، الذي كان يتخلل اجتماعاتنا المطولة في باريس. وفي رأيي أن المساءلة المتبادلة لم تكن في أي وقت أكثر أهمية مما هي عليه الآن. خلال يوم الانتخابات عام 2016، كنت في طريقي للقطب الجنوبي، حيث تحدثت مع باحثين وعلماء من النوع الذي يعبر عن رأيه بصراحه. من هؤلاء العلماء عالم يدعى جافين دونبار حذرني قائلاً:«إن هناك عتبات لو قمنا بتخطيها، فإنه لن يكون بمقدورنا التراجع». قد تقرر إدارة ترامب أن تراهن ضد علماء مثل دونبار وزملائه؛ ولكن تأكدوا أن معظم الأميركيين يقفون مع بقية العالم، في الرهان على شيء مختلف – رهان على العلم، ورهان على الحقيقة والواقع. *وزير خارجية الولايات المتحدة 2013-2017 ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»