التحرر من المخاوف أو تبديد المخاوف هو أحد الأمور التي تجعل من الحياة شيئاً جميلاً ومختلفاً، ويضفي عليها لوناً متعافياً، ريّاناً، جاعلاً النفس في غاية صفائها، متحررة من ذلك الخوف الوهمي الذي تجلبه الأخيلة المضطربة، والتوقعات الخاطئة، حتى أن بعض الناس يصبحون أسرى لتلك المخاوف، ويتحولون إلى مرضى، ويعدون القريبين منهم، هذه المخاوف تبدو صغيرة، لكنها تكبر مع الوقت، وتبدأ من الوهم حتى تصبح واقع حال، فالإنسان يتخوف من المستقبل والمجهول، وهو أمر طبيعي إذا ما كان في حدود التفكير من أجل التغيير، أما إذا أصبح هاجساً حينها يتطلب الإنسان العلاج بكافة الطرق، ويحتاج إلى تغيير نمط حياته.
أكثر المخاوف التي يجب أن يبددها الإنسان الخوف على الأولاد من كل صغيرة وكبيرة حتى يتحولون مع الوقت إلى حرّاس دائمين، وبنظام ساعات اليوم بطوله، يخافون عليهم من الفشل، ومن اللعب، ومن الكسر، ومن رفقة السوء، ومن الخروج، ومن الغرباء، ويخافون من أن يكبروا فجأة ويتركونهم، حتى يتحولون إلى مراقبين شرسين، يضيق بهم الأبناء، وينشدون التحرر من ربقة الأهل، ومخاوفهم الوهمية، طالبين الاستقلالية والحرية والاختيار، وتحمل المسؤولية.
البعض من الآباء يصر أن يلبس ولده مثله، ويتدخل في صغائر الأمور، ويجبره أن يحلق كما يحلق الأب رأسه، فيعيش الابن متذبذباً، عديم الشخصية، يحاول تقليد أبيه ووقته فيفشل، وينسى حياته وزمنه الجديد، فلا يجد صديقاً من أترابه يشبهه.
السؤال ما هو الداعي أن نسجن أبناءنا في أثوابنا، فزمنهم غير زمننا؟ ولِمَ نسلبهم طاقاتهم وتكوين شخصياتهم، وقبول التحدي، وتدريبهم عليه؟ لِمَ يرتفع ضغطنا فجأة إن تأخروا في المجيء للبيت مقدار نصف ساعة؟ لمَِ نفكر دائماً بالشر والسلبي والمكروه، وأن أمراً جللاً ألمّ بهم، لذا يقوم بعض الأهالي المسوسون بتقليب أجساد الأبناء، ليتأكدوا أنهم سليمو البدن، ولم يصابوا بخدش أو كشط.
هذه المخاوف تكبر حتى أنها تزعزع الإيمان أحياناً، وإن ذكّرهم أحد بالتقوى وقوة الإيمان، استلّوا من الأمثال المعلبة، والأقوال الجاهزة، والحكم الناقصة: «ولكن اتق تبق»!
البعض أيضاً ممن ابتلوا بالهزائم أمام المخاوف التي تعترينا، تجده يذهب إلى العمل كل يوم، لكن تسبقه مخاوفه، وأسئلة المصير، وكثير منهم يرتكبون أخطاء يومية، فقط لأنهم يرتدون أثواب الخوف القادم والمؤجل والمبطن، فلا يعملون ولا ينتجون، ولا يحاولون تصحيح مسار أوهامهم ومخاوفهم التي جعلوها مثل شرنقة يبيتون ويصبحون فيها منتظرين أي فزع أو خبر يصدقهم على ما هم فيه من مخاوف وهمية تعشعش في رؤوسهم فقط.