طوّر فريق من الباحثين الأميركيين أداة استدلال إحصائي مبتكرة لتحديد الاختلافات بين الصور الطبية المولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي وتلك الحقيقية بدقة.
عند استخدام الذكاء الاصطناعي للمساعدة في تشخيص الأمراض، أو تحسين جودة الصور المشوشة، أو إعادة بناء صور كاملة من بيانات محدودة، يجب أن يثق الأطباء بأن التكنولوجيا التي يعتمدون عليها تُعطي نتائج دقيقة ومفصلة.
وقد عملت غوان نان وانغ الأستاذة المشاركة في الرياضيات في جامعة ويليام وماري الأميركية على هذه المسألة حيث شاركت مؤخرًا في تأليف ورقة بحثية، نُشرت في مجلة الجمعية الإحصائية الأميركية، قيّمت دقة الصور الطبية المولدة بالذكاء الاصطناعي.
كشف تحليل الفريق عن فجوات منهجية بين الصور الطبية المولدة بالذكاء الاصطناعي وتلك الحقيقية. وللتغلب عليها، صمموا واختبروا تحويلاً رياضيًا جديدًا يجعل الصور المولدة بالذكاء الاصطناعي أقرب بكثير إلى الصور الأصلية، وهي خطوة نحو الاستخدام الآمن والموثوق للبيانات الطبية الاصطناعية في البيئات السريرية.
وقالت وانغ "يفتح الذكاء الاصطناعي التوليدي فرصًا مثيرة لإحداث ثورة في المجال الطبي. ولكن يحتاج الباحثون إلى إثبات، من خلال تقييم دقيق وشامل، أن مقدمي الرعاية الصحية يمكنهم الوثوق بهذه التقنيات الجديدة قبل استخدامها لتوجيه القرارات المتعلقة بالمرضى الحقيقيين".
يُعدّ نقص البيانات تحديًا رئيسيًا في تطبيق الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية، وهو تحدٍ واجهته وانغ شخصيًا. لأكثر من عقد من الزمان، درست وانغ تطور مرض الزهايمر من خلال فحص صور الدماغ والملفات الجينية والبيانات الديموغرافية للمرضى بحثًا عن أدلة حول ما يُحفز تطور المرض. ومع ذلك، فإن العديد من سجلات المرضى غير مكتملة، وغالبًا ما تفتقر إلى صور الرنين المغناطيسي، مما يجعل من الصعب ربط مصادر البيانات هذه. وتأمل وانغ، باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، في سد هذه الفجوات.
وقالت وانغ "من خلال تدريب خوارزمية الذكاء الاصطناعي على المرضى، الذين لديهم صور دماغية وبيانات إضافية واحدة على الأقل، سواء كانت ديموغرافية أو جينية، يمكننا إنشاء نموذج يتنبأ بما قد تبدو عليه صور الدماغ للمرضى الذين يفتقرون إلى عنصر التصوير. ويمكن لهذه الصور الاصطناعية بعد ذلك أن تساعد في تعزيز مجموعات البيانات الموجودة لدينا، مما يمنحنا فرصة أفضل للكشف عن العلاقات بين خصائص المريض وتطور المرض".
اقرأ أيضا... الذكاء الاصطناعي يكتشف السرطان في عينات دم خلال دقائق
تُصعّب الإرشادات، التي تحمي خصوصية المرضى، على المستشفيات والباحثين مشاركة الصور الطبية. كما تُعدّ التكاليف والوقت اللازمين لالتقاط هذه الصور وتصنيفها من قبل الخبراء الطبيين تحديات أخرى تُساهم في ندرة البيانات.
تضيف وانغ "يمكن للصور الاصطناعية أن تُساعد في معالجة مشكلة ندرة البيانات من خلال توليد أعداد كبيرة من الصور الطبية الجديدة". وتؤكد "ولأن هذه الصور غير مرتبطة بأي مريض على حدة، فإنها تُقلل أيضًا من المخاوف المتعلقة بالخصوصية".
طور الباحثون عددًا من الطرق لإنشاء صور اصطناعية. أحد الأمثلة على النهج المعروف على نطاق واسع هو الشبكة التوليدية التنافسية (GAN)، حيث تتنافس شبكتان من الذكاء الاصطناعي، إحداهما تولد الصور بينما تحاول الأخرى اكتشاف الصور المزيفة، حتى تصبح الصور الاصطناعية شبه متطابقة مع الصور الحقيقية.
في عالم الطب، حيث يمكن أن تكون عواقب اتخاذ القرارات بناءً على بيانات خاطئة كارثية، هناك حاجة إلى أساليب تقييم صارمة لدراسة هذه الأسئلة.
لإنشاء صورهم الاصطناعية، جمعت وانغ وزملاؤها أولاً صورًا وظيفية بالرنين المغناطيسي للدماغ من المرضى الذين طُلب منهم النقر بأصابعهم على فترات محددة. ثم قاموا بتدريب أداة ذكاء اصطناعي عن طريق إضافة ضوضاء عشوائية تدريجيًا إلى صور الدماغ حتى تحولت الصور إلى ضوضاء ثابتة تمامًا.
من خلال مراقبة هذه العملية، تعلم الذكاء الاصطناعي الخاص بهم كيفية عكسها، بدءًا من الضوضاء وإعادة بناء صور الدماغ التي تشبه الصور الأصلية. تخيل الأمر وكأنه ماسحة زجاج رقمية، تحوّل قطعة زجاج ضبابية إلى صورة واضحة.
ثم استخدموا طريقة تُسمى تحليل البيانات الوظيفية والتي تتعامل مع كل صورة كدالة مستمرة. وباستخدام هذا الإطار، قاموا ببناء مناطق ثقة متزامنة، وهي استنتاجات إحصائية تُجسّد عدم اليقين عبر نطاق الدماغ بأكمله، لمقارنة الصور الحقيقية والاصطناعية.
باستخدام هذه التقنيات، حلل الباحثون جميع الصور لإيجاد المتوسط، كيف يبدو متوسط جميع الصور الاصطناعية مقارنةً بمتوسط جميع الصور الحقيقية. وسرعان ما وجدوا بعض التناقضات بين بياناتهم الاصطناعية والصور الحقيقية.
وقالت وانغ "رأينا مناطق في الدماغ تضيء بشكل غير متوقع، مما يدل على أن الصور التي أنشأها الذكاء الاصطناعي لم تكن تعكس البيانات الأصلية تمامًا".
لمعالجة ذلك، ابتكر العلماء، باستخدام تحليل البيانات الوظيفية، مرة أخرى، تحويلاً جديدًا لجعل الصور الاصطناعية أكثر توافقًا مع الصور الحقيقية.
وأضافت وانغ "يؤكد عملنا على أهمية وضع تقنيات تقييم صارمة لا تعتمد فقط على التشابه الكلي، بل تنظر إلى أدق تفاصيل هذه الصور. نأمل أن تكون هذه الخطوة إضافةً أخرى نحو جعل الصور المولدة بالذكاء الاصطناعي أكثر قابلية للتطبيق وموثوقية في المجال الطبي".
مصطفى أوفى (أبوظبي)