مهمة جيروم باول الشاقة أصبحت أكثر مشقةً بفضل فلاديمير بوتين. فحتى قبل بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، كان رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي يتعرض لضغوط كي يتصدى للتضخم دون التسبب في ركود. وهذا عمل محفوف بالمخاطر كانت الزيادة الطفيفة في أسعار الفائدة في الأيام القليلة الماضية أحدث خطواته. والحرب تفاقم من المأزق، فهي تزيد من ارتفاع الأسعار وتضعِف الاقتصاد. والتأثير الأول يغري الاحتياطي الاتحادي بالتحرك على نحو أسرع في رفع أسعار الفائدة، بينما يغري التأثير الثاني على التحرك بشكل أبطأ. وأوّضحُ هنا في البداية أنني لن أحاول هنا حل معضلة ما يجب على الاحتياطي الاتحادي القيامَ به. لكن هناك طريقة للتفكير في المفاضلات التي قد تكون مفيدةً. يتعين في البداية نبذ فكرة أنه يجب على الاحتياط الاتحادي أن يكون محارباً للتضخم أصلا. وبدلا من هذا، يتعين التفكير في طريقتين يرتفع عبرهما التضخم. فهذا يحدث أحياناً بسبب تسارع الإنفاق على امتداد الاقتصاد، وأحياناً بسبب الصدمات السلبية للإنتاجية. 

في الحالة الأولى، يكون سبب تزايد التضخم نقدي خالص ويتمثل في الإسراف في الإنفاق، ويجب على الاحتياط الاتحادي تحمل مسؤولية هذا. ويجب على الاحتياط الاتحادي النظر إلى هذا النوع من التضخم، باعتباره شيئا فعله ولم يأتيه من الخارج. وشرح جوشوا هندريكسون، أستاذ الاقتصاد بجامعة ميسيسيبي، أن تغيير وجهة نظر الاحتياط الاتحادي على هذا النحو كان مفتاح السيطرة على التضخم بعد سبعينيات القرن الماضي. فخلال فترة طويلة من السبعينيات، اعتبر الاحتياط الاتحادي أن المحركات الحقيقية للتضخم عوامل غير نقدية مثل جشع البلدان المنتجة للنفط والشركات الكبرى والنقابات. وهذا التحليل وضع محافظي البنوك المركزية في إطار العاجزين عن تحقيق استقرار الأسعار. ولم ينخفض التضخم إلا حين بدأ الاحتياط الاتحادي ينظر إلى أن القضية الرئيسية هي النمو المفرط في المعروض النقدي، وهو أمر يمكنه التحكم فيه. وهذا كان يعني إدراك أن الاحتياط الاتحادي كان يتسبب في التضخم وليس مجرد العجز عن إيقافه. وكتب هندريكسون، في مقال، الشهر الماضي، يقول إن الاحتياط الاتحادي اعتبر نفسه رجل إطفاء لا تجدي جهوده لكنه كان مشعل حرائق في الحقيقة. وتعين عليه التوقف عن سكب الوقود. 
وفي النوع الثاني من التضخم، لا يرتفع المبلغ الإجمالي للإنفاق في الاقتصاد، بل أن صدمة العرض السلبية تعني أن القدْر نفسَه من الإنفاق يشتري سلعاً أقل بأسعار أعلى. والاحتياط الاتحادي ليس مسؤولا عن هذا النوع من الزيادة في الأسعار وانخفاض الإنتاج. ويصبح السؤال المطروح حول ما إذا كان ينبغي له مكافحة التضخم وليس ما إذا كان يستطيع ذلك، لأن هذا بمقدوره. فإصلاح سلاسل التوريد يتجاوز بالطبع سلطة أي بنك مركزي. ما يستطيع الاحتياطي الاتحادي القيام به هو خفض مستويات الإنفاق وهذا بدوره سيمارس ضغطاً نزولياً على الأسعار. لكن هذا سيكون استجابةً خاطئةً على العجز، ويستجيب لندرة السلع من خلال إحداث ندرة في المال. والتأثير سيتمثل في مفاقمة الضرر على مستويات المعيشة الذي سببته صدمات الإمداد بالفعل. ومن أوجه القصور المؤسفة في العالَم الحقيقي أن كلا النوعين من التضخم قد يَحدثان في الوقت نفسه. وقد حدث هذا في السبعينيات ويحدث اليوم. والاقتران يفتح الباب أمام خطأين مختلفين. الأول هو أن ينسب كل تضخم إلى صدمات العرض الخارجة عن سيطرة الاحتياط الاتحادي، وتجاهل الإفراط في الإنفاق، كما فعل الاحتياط الاتحادي في السبعينيات. والخطأ الآخر هو التعامل مع التضخم على أنه مجرد مسألة إسراف في الإنفاق، وتجاهل صدمات العرض. وارتكب بنك الاحتياط الاتحادي مثل هذا الخطأ عام 2008؛ فقد أدى الخوف من ارتفاع أسعار الغاز إلى اتباع سياسة شديدة الصرامة ساهمت في الركود الكبير. 
والمسار الصحيح نظرياً للاحتياطي الاتحادي، إذن، هو تحديد أسعار الفائدة وتعديل توجيهاته بشأن أسعار الفائدة في المستقبل، بهدف تثبيت الإنفاق. وهذا يعني حالياً تقييد نمو الأسعار. ولن يقبل الاحتياطي الاتحادي إلا بجزء من التضخم فوق الهدف الناجم عن صدمات العرض. ولا شك في أن قول هذا أسهل من تحقيقه. لكن تحديد هذا الهدف يساعد محافظي البنوك المركزية على تحديد مدى تأثير حرب روسيا وأيضاً عمليات الإغلاق الصينية المتعلقة بـ«كوفيد-19»، على السياسة النقدية. ويحتمل أن تؤثر الأحداث العالمية على مستويات الإنفاق، مع قلق الناس ودفعهم إلى التشبث بالأرصدة الدولارية بدلا من الاستهلاك والاستثمار. لكن التأثير المؤكد أكثر للاضطرابات في الخارج سيتمثل في اضطراب أكبر في سلاسل التوريد. 
ولا ينبغي أن يؤثر هذا على الاحتياطي الاتحادي، بل يتعين عليه التضييق المالي لأنه سمح للإنفاق بالنمو على نحو أسرع من اللازم. وإعلانه في الأيام القليلة الماضية عن رفع أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة كان خطوةً مرحباً بها في هذا الاتجاه، وإن تكن غير كافية على الأرجح. لكن يجب على الاحتياطي الاتحادي ألا يسمح لقضايا سلسلة التوريد الناشئة عن روسيا والصين بالتأثير على حكمه حول مقدار وسرعة التشديد الذي يحتاجه. ويجب ألا يقوم بتضييق أكبر لأن هذه الأحداث ترفع الأسعار ببساطة. ويجب ألا يقوم بتضييق أقل لأن هذه الأحداث تضر بالإنتاج الأميركي ببساطة. لقد جعل بوتين صورة البنك المركزي أكثر ارتباكاً، لكنه لم يغير مهمته. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»