تغطي المياه ما نسبته نحو 71% من سطح الكرة الأرضية، إلا أن معظمها -نحو 96.5%- موجود في المحيطات المالحة، ولا يصلح للاستخدام البشري من دون معالجة، وبناءً على ذلك تبقى المياه العذبة محدودة، وتواجه ضغطاً متزايداً نتيجةً للنمو السكاني والتوسع الحضري، والأنشطة الزراعية والصناعية المتنامية. كما يُسهم التلوث، وتغيُّر المناخ، في تراجع كميات المياه المتاحة، وتدهور جودتها، وهو ما يعمِّق أزمة المياه على الصعيد العالمي، ويستدعي استجابات فورية، وحلولاً مستدامة تعتمد على إدارة فعالة للموارد.

وتشير تقارير منظمة اليونيسيف إلى أن نحو 4 مليارات شخص –أي مَن يقاربون ثلثي سكان العالم- يواجهون نقصاً حاداً في المياه لمدة لا تقل عن شهر سنوياً، في حين يعيش أكثر من ملياري إنسان في مناطق تعاني ضعفاً في البنية التحتية المائية. وبحلول عام 2030 قد يُضطر نحو 700 مليون شخص في العالم إلى مغادرة مناطقهم بسبب النقص الحاد في المياه، وصعوبة تلبية حاجاتهم اليومية منها. وتشير التقديرات إلى أنه بحلول عام 2040 سيعيش طفل من بين كل أربعة أطفال في مناطق تعاني ضغطاً مائياً شديداً، ما يهدد صحتهم ونموهم وفرصهم في التعليم والحياة الكريمة.

إنَّ ما تكشف عنه هذه الأرقام يتجاوز حدود البيانات والإحصاءات، إذْ تؤكد أن أزمة المياه لم تَعد مسألة بيئية فحسب، بل تحولت أزمة شاملة تمسُّ أبعاد التنمية، والصحة، والأمن البشري، على المستوى العالمي.ومع التزايد المستمر في استهلاك المياه تكتسب معالجة مياه الصرف الصحي أهمية متصاعدة بصفتها خياراً استراتيجيّاً لتعويض العجز في الموارد المائية.

وتنتج المدن كميات كبيرة من هذه المياه، ما يعزز الحاجة إلى بنية تحتية متكاملة تضمن جمعها ومعالجتها بكفاءة وفاعلية، بما يزيل الملوثات منها ويجعلها -بعد معالجتها- آمنة للاستخدام في الري، أو التصريف البيئي، من دون أن تشكِّل خطرًا على صحة الإنسان، أو البيئة.

وفي هذا السياق تسعى المدن الحضرية إلى تطوير أنظمة فعَّالة لجمع مياه الصرف الصحي، ومعالجتها، بهدف إعادة استخدامها، أو تصريفها، بطريقة آمنة تحافظ على الصحة العامة والبيئة. إلا أن معظم محطات المعالجة مصمَّمة لمعالجة مياه الصرف السكنية فقط، ولا تشمل المياه العادمة الناتجة من الأنشطة الصناعية، التي قد تحتوي على ملوثات خطِرة مثل المعادن الثقيلة.

وعدم الفصل بين هذين النوعين من المياه قد يؤدِّي إلى تعطيل نُظم المعالجة، ويؤثر سلباً في جودة المياه الناتجة، ما يشكل تهديداً مباشراً للصحة العامة، والتوازن البيئي.

وتشير البحوث العلمية إلى أن ارتفاع تركيز المعادن الثقيلة في المياه والتربة، نتيجة التصريف غير الآمن للمياه الصناعية إلى نظام الصرف الصحي، يُشكِّل خطراً مباشراً على صحة الإنسان، فهذه المواد السامة لا تزول بسهولة، بل تنتقل عبر السلسلة الغذائية، بدءاً من المياه والتربة إلى النباتات، ثم إلى الحيوانات، وأخيراً إلى الإنسان، ومع تراكمها في الجسم على مدى الزمن يمكن أن تسبب مضاعفات صحية خطِرة، من أبرزها الإصابة بأمراض سرطانية.

وتُعدُّ مراقبة نوعية المياه المتدفقة إلى محطات معالجة الصرف الصحي عنصراً أساسياً لضمان كفاءة المعالجة، وجودة المياه الناتجة. ومع تصاعد التحديات البيئية والفنية تبرز الحاجة إلى نظام رقابي منهجي وفعَّال ومؤسسي، يُنفَّذ ضمن إطار إداري منظَّم، ويساعد هذا النظام على تحسين آليات العمل، وضمان الاستدامة، وحماية الصحة العامة، والمحافظة على الموارد البيئية.

د. راشد محمد كركين*

*مؤلف كتاب «قادة التنمية المستدامة»، خبير حماية البيئة والتنمية المستدامة، مؤسس معهد التنمية المستدامة للبحوث والتدريب، نائب رئيس جمعية الباحثين.