في عصرٍ يتّسم بالتغيّرات السريعة والتحديات العالمية، لا يزال شبح التطرف العنيف يُهدد السلام والاستقرار في العديد من المجتمعات. وعلى الرغم من أن جذور التطرف معقّدة، وتشمل عوامل أيديولوجية دينية وسياسية واجتماعية، إلّا أنَّ أخطرَها استخدامُ الدينِ كمادّةٍ أساسيّةٍ لتمريرِ وتبريرِ السلوكِ العنيفِ. وفي هذا السياق، يؤدي علماء المسلمين دوراً حيوياً لا يمكن الاستغناء عنه في التصدي للأيديولوجيات المتطرفة وتوجيه المجتمعات نحو التعاليم الحقيقية والسلمية للإسلام.
وتقع جماعة «الإخوان» في طليعة الجهات التي تروّج للتطرف، وقد ألحقت بالإسلام ضرراً شديداً مازال المسلمون الحقيقيون يعملون جاهدين على تصحيح تلك الصورة التي رسمتها هذه الجماعة. فبينما يقدّمون أنفسهم كمدافعين عن القيم الإسلامية، فإن أجندتهم تقوم على تَسْيِيس الدين والتلاعب به، ولهم سجلّ طويل في تبرير العنف باسم التديّن الزائف وممارسات بشعة لا يمكن تبريرُها بحالٍ من الأحوال. 
العلماء المسلمون الشرعيون هم أمناء على العلم والتراث الإسلامي، وتستند مشروعيتهم إلى فهمٍ عميق للقرآن الكريم، ولسنّة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، ولتراكم قرون من المتبنَّيات والمرتكزات الثابتة الرصينة. فعندما تلجأ جماعاتٌ متطرفة كجماعة «الإخوان» المسلمين، إلى تبرير العنف من خلال قراءاتٍ انتقائية للنصوص الدينية، أو الاتكاء على أنصاف الحقائق، فإن دحض هذه التحريفات وتفنيدها من صميم واجب العلماء، فهم الأقدر على ذلك بما لديهم من علمٍ راسخ.
وخلال العقدين الماضيين، أصدر كبار العلماء من مختلف أنحاء العالم فتاوى واضحة ومفصلة تُدين الإرهاب والأيديولوجيات الثورية. ويتعدّى دور العلماء حدود الردّ اللاهوتي، إذ يشاركون بفعالية في مجال التعليم، وهو ميدان حاسم في المعركة ضد التطرف. ومن خلال الإشراف على المناهج الدراسية في المدارس والجامعات الدينية يتلقّى الطلبةُ فهماً متوازنًا ومعرفةً راسخةً تقوم على أُسسٍ علميّةٍ ومنطقيّةٍ ويكتسب هذا الدور أهمية خاصة عند التعامل مع فئة الشباب، الذين قد يكونون عرضة لتفسيرات سطحية أو متطرفة للدين.
وفي المساجد والمراكز المجتمعية ومن خلال وسائل الإعلام، يتفاعل العلماء مباشرة مع العائلات والشباب خاصة ليناقشوا القضايا المعاصرة، ويجيبون عن التساؤلات التي تشغل أذهان الجيل الصاعد، ويقدمون الإرشاد المناسب لتحديات الحياة الحديثة. وتسهم هذه الجهود في تعزيز مناعة المجتمعات وجعلها أقل عرضة للاستقطاب من قبل الجماعات المتطرفة.
الإسلام، كما قدَّمه نبينا محمد (ص) يعترف بتنوع البشر ويدعو إلى احترامهم والإحسان إليهم بغضّ النظر عن أديانهم أو خلفياتهم. وقد كان العلماء المسلمون في طليعة الحوار بين الأديان من خلال مشاركتهم في المؤتمرات والمبادرات التي تجمع قادة الأديان من مختلف التقاليد. ولا تقتصر هذه الجهود على مكافحة التطرف، بل تهدف أيضاً إلى بناء جسور الفهم والتعاون.
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، يُمثّل تأسيس وزارة التسامح وتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية التاريخية في العاصمة أبوظبي نموذجاً على دور القيادة الدينية في ترسيخ ثقافة السلام. ويساهم العلماء المسلمون في دولة الإمارات في هذه المبادرات من خلال تأكيدهم على رسالة الإسلام في الرحمة والاحترام المتبادل.
ومن أبرز إسهامات العلماء المسلمين قدرتهم على وضع النصوص الدينية في سياقها الصحيح. فالجماعات المتطرفة تعتمد غالباً على قراءات حرفية أو مجتزأة لدعم أجنداتهم. أما العلماء، فبفضل معرفتهم بالسياق التاريخي والفقه، يقدمون تفسيرات دقيقة تعكس القيم الأخلاقية الأشمل التي يحملها الإسلام.
يلعب العلماء المسلمون أيضاً دوراً أساسياً في الانخراط المجتمعي وتحمل المسؤولية الاجتماعية. فهم غالباً ما يكونون الجهة الأولى التي يلجأ إليها الأفراد أو العائلات القلقة من علامات التطرف. ومن خلال الإرشاد والبرامج التوعوية والتعاون مع المجتمع المدني، يساهم العلماء في معالجة العوامل الاجتماعية والنفسية التي قد تؤدي إلى التطرف.
وفي دولة الإمارات، يتعاون العلماء مع الجهات الحكومية وغير الحكومية لدعم المبادرات التي تعزز التماسك الاجتماعي وتمنع التطرف. ويضمن انخراطهم أن تكون جهود مكافحة التطرف مستندة إلى قيم دينية صحيحة وتحظى بثقة المجتمع.
فمكافحة التطرف ليست مسألة أمنية أو سياسية فقط، بل هي معركة من أجل إنقاذ العقلَ والضميرَ من محاولات إفسادِ النُّفوسِ قبل الأجساد. والعلماء المسلمون، بما يحملونه من علم راسخ والتزام بالسلام، يُعدّون شركاء أساسيين في هذا التحدي. ومن خلال تفنيد أيديولوجيات التطرف وتربية الجيل القادم وغرس قيم التسامح والتفاعل مع المجتمعات، يُجسد العلماء الروح الحقيقية للإسلام، ويساهمون في بناء عالم أكثر أمناً ووئاماً.
ومع استمرار المجتمعات في مواجهة تحديات التطرف، سيبقى لعقل العلماء الثقات وحكمتهم دور لا غنى عنه، إذ يضيئون الطريق نحو مستقبل يسوده السلام والرحمة والاحترام المتبادل.
* مستشار برلماني وشريك بحثي متعاون مع مركز تريندز للبحوث والاستشارات.