في السادس عشر من سبتمبر الحالي، تستضيف أبوظبي منتدى تريندز السنوي الخامس حول الإسلام السياسي، تحت شعار «مشتركات العنف: مقاربات حديثة لأنماط التطرف المؤدلج». وهذا اللقاء ليس مجرد فعالية أكاديمية، بل محطة استراتيجية تهدف إلى فهم أعمق لظاهرة التطرف التي تجاوزت حدود التصنيفات التقليدية، لتكشف كيف أصبح العنف لغة مشتركة بين تيارات دينية وسياسية مختلفة.لقد أثبتت التجارب أن الحركات المتطرفة تلتقي عند أنماط عنيفة متشابهة تتغذّى من نزعات الإقصاء والضلالات الأيديولوجية. وعلى الرغم من تباين الشعارات، يبقى العنف هو القاسم المشترك، أداة وغاية. إن هذه الجماعات، وعلى رأسها جماعة «الإخوان»، تُمثّل النموذج الأوضح لخطورة الأيديولوجيا حين تتحوّل إلى مشروع سياسي قائم على الهيمنة وإقصاء الآخر، وقد تحوّلت بالفعل إلى مدارس أيديولوجية أنجبَت تنظيمات متشدّدة أعادت إنتاج خطاب العنف عبر أجيال متعدّدة.
إن مواجهة هذا التحدي تقتضي أدوات جديدة تتجاوز النقد التقليدي للخطاب، إلى بناء آليات علمية دقيقة لرصد النفوذ وتحليل امتداداته. ولهذا، يُطلِق المنتدى خريطة تفاعلية للمؤشر الدولي لنفوذ جماعة «الإخوان»، إضافةً إلى المقياس العام لتفاعلات الجماعة على وسائل التواصل الاجتماعي. وهذه الأدوات لا تكتفي بالقياس، بل تُعيد صياغة فهمِنا لديناميات التأثير، خصوصاً في الفضاء الرقمي، الذي بات ميداناً رئيسياً للصراع الأيديولوجي.
وتُعدّ إحدى الركائز الجوهرية في مواجهة التطرف إشراك الشباب، ومنحهم الأدوات الفكرية والمهارية التي تساعدهم على تحصين أنفسهم ضدّ سرديات العنف. ولهذا، يُولي «تريندز» أهمية خاصة لدور الأجيال الجديدة في مَسيرته البحثية والمعرفية، حيث يشارك في المنتدى الخامس شباب تريندز من مختلف الإدارات إلى جانب مجلس تريندز للشباب، ليكونوا شركاء فاعلين في صياغة الرؤى والمقاربات الجديدة. فالشباب هم الفئة الأكثر عرضة للتأثر بخطابات التطرف في الفضاء الرقمي، لكنهم أيضاً الأكثر قدرة على إنتاج أفكار مبتكرة إذا ما أُتيح لهم المجال. إن حضور الشباب في المنتدى يبعث برسالة واضحة مفادها أن الاستثمار في وعي الأجيال الجديدة، وتعزيز قدراتهم النقدية، هو استثمار في مستقبل أكثر أمنًا وسلاماً، وأن مواجهة التطرف لا تُحسَم بالردع الأمني وحده، بل بتكوين جيل قادر على الاختيار الواعي بين خطابات العنف، وخطابات الحوار، والعيش المشترك.
ويبقى السؤال الأعمق: هل يكفي أن نفكِّك خطاب الكراهية، أم أن التحدي يكمن في تفكيك الأوهام الأيديولوجية، التي تَمنح هذه الجماعات قدرة على إقناع أجيال جديدة بمشروعها؟ إن مجرد نقد الشعارات لا يكفي، ما لم نعالج البنية الفكرية والنفسية التي تجعل العنف خياراً مقبولاً.
إن منتدى تريندز الخامس يسعى إلى إشعال نقاش استراتيجي عالمي، يتجاوز حدود البحث الأكاديمي التقليدي، ويؤسّس لمقاربات جديدة قادرة على إنهاء عصر العنف الأيديولوجي.
ومع المعرِض المصاحب، الذي يقدم أحدث منتجات المركز البحثية، نؤكد أن المعركة ليست ضدّ جماعة بعينها، بل ضدّ منظومة فكرية متجدّدة تُعيد إنتاج ذاتها باستمرار. ومن أبوظبي، نوجّه رسالة واضحة: لنكسر دوائر الكراهية، ونفتح دروب التعايش والسلام، حيث ينهزم العنف أمام نور المعرفة، وتنتصر الإنسانية على الأوهام.
*باحث- مدير إدارة الإسلام السياسي- مركز تريندز للبحوث والاستشارات


