في خطوة طموحة تعزز مكانة دولة الإمارات العربية المتحدة كمركز عالمي للابتكار والتنمية الاقتصادية، تستعد العاصمة أبوظبي لاستضافة النسخة الثانية من المعرض والمؤتمر العالمي للسكك الحديدية والنقل والبنية التحتية «جلوبال ريل 2025»، المزمع عقده بين 30 سبتمبر و2 أكتوبر المقبل.
ويجمع هذا الحدث الرائد تحت مظلته نخبة من قادة الصناعة وخبراء النقل وصناع القرار من مختلف أنحاء العالم، ليؤكد التزام الإمارات بتطوير قطاع النقل، بوصفه ركيزة أساسية للتنمية الشاملة، مع التركيز على الاستدامة والابتكار والتقنيات المتقدمة. ويُتوقع أن يستقطب أكثر من 20 ألف زائر من أكثر من 100 جنسية، ما يجعله منصة دولية فريدة لتبادل المعرفة والخبرات واستكشاف الفرص الاستثمارية، لا في مشروعات البنية التحتية فحسب، وإنما أيضاً في دعم التحولات الاقتصادية وتوسيع آفاق التكامل بين الأسواق المحلية والعالمية.
يأتي انعقاد هذه النسخة في سياق تطورات مهمة يشهدها قطاع النقل والبنية التحتية الذي بات من المحركات الأساسية للتنافسية الإقليمية والعالمية. ويكتسب «جلوبال ريل 2025» زخماً مضاعفاً مقارنةً بالنسخة الأولى، مع التوسع الملحوظ في قائمة الدول المشاركة، إلى جانب جناح مخصص للمشروعات الدولية تُعرض فيه فرص استثمارية في الأسواق الناشئة، ما يمنح الحدث طابعاً كونياً، ويعزز موقع أبوظبي كحلقة وصل بين اقتصادات متعددة تبحث عن التكامل والشراكات.
ولا يقتصر الطابع العالمي للحدث على المشاركة الواسعة، بل يتجلى أيضاً في تركيزه على قضايا استشرافية محورية، من أبرزها النقل الصديق للبيئة، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، والأمن والسلامة، إلى جانب استعراض حلول مستقبلية تشمل الصيانة التنبؤية، والشحن المستقل، وأنظمة الدفع منخفضة الانبعاثات. كل هذه القضايا تكتسب أهمية مضاعفة في ظل توقعات بارتفاع حركة المسافرين عالمياً إلى 9.5 مليار مسافر بنهاية العام الجاري، وهو ما يضع القطاع أمام تحديات وفرص هائلة، تتطلب جاهزية تقنية عالية ومرونة تشغيلية لمواكبة الطلب المتزايد وضمان الكفاءة والاستدامة.
ويمثّل المعرض فرصة استراتيجية لتعزيز مكانة الإمارات كمركز لوجستي عالمي، مع توقعات بأن يشهد توقيع اتفاقيات استراتيجية وصفقات استثمارية جديدة تدعم النمو الاقتصادي وتخلق فرص عمل إضافية. وإلى جانب هذا، تبرز مبادرات موجهة نحو الشباب والابتكار، مثل «هاكاثون الشباب» الذي يعتبر منصة تجمع طلاب الجامعات الإماراتية مع خبراء القطاع لتطوير حلول عملية للتحديات المستقبلية.
ويتكامل هذا الحراك مع إطلاق البرنامج الوطني للسكك الحديدية عام 2021 باستثمارات قدرها 50 مليار درهم، في خطوة استراتيجية تهدف إلى بناء أكبر منظومة نقل بري في الإمارات. وهذا البرنامج لا يقتصر على تعزيز القدرات اللوجستية فحسب، بل يتناغم مع أهداف الحياد المناخي بحلول 2050، ليؤكد التزام الدولة بمواءمة التنمية مع متطلبات الاستدامة العالمية.
وعند النظر إلى الصورة الأشمل، يتضح أن «جلوبال ريل 2025» يتجاوز حدود كونه معرضاً متخصصاً ليصبح تجسيداً لرؤية استراتيجية طويلة الأمد. فهو يجمع بين البنية التحتية المادية والابتكار التكنولوجي وتمكين الأفراد، ليخلق منصة شاملة تعيد صياغة مشهد النقل العالمي على أسس من الترابط والذكاء والاستدامة. وبقدر ما يعكس الحدث حرص الإمارات على استقطاب الاستثمارات وتعزيز تنافسيتها الاقتصادية، فإنه يكرس أيضاً دورها كفاعل رئيسي في رسم ملامح المستقبل.
وإذا كانت النسخة الثانية من الحدث تمثل نافذة على حاضر التحولات، فإن النسخ المقبلة مرشحة لتكون مختبراً حيّاً لتقنيات مستقبلية رائدة، مثل القطارات المغناطيسية، والتنقل الكهربائي عالي السرعة، وأنظمة النقل الجوي الحضري، والشبكات الرقمية المتكاملة، التي تعيد تعريف العلاقة بين المدن والمجتمعات.
إن «جلوبال ريل» ليس مجرد فعالية اقتصادية أو تقنية، بل هو منصة استراتيجية تتيح للإمارات أن تؤكد دورها كفاعل رئيسي في صياغة معالم المستقبل، ليس على مستوى المنطقة فحسب، بل على مستوى العالم بأسره، وهذا الحدث يحمل رسالة واضحة مفادها أن الإمارات لا تكتفي بأن تكون متلقية للتطورات العالمية، بل تصنعها، وتضع خطوط النقل في مسار واحد مع خطوط الطموح، نحو مستقبل أخضر، مترابط، وآمن للجميع.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.