استضافت دولة الإمارات العربية المتحدة «المؤتمر العالمي للحفاظ على الطبيعة»، خلال الفترة من 9 إلى 15 أكتوبر 2025، في أبوظبي، لتكون أول دولة في منطقة الخليج تستضيف هذا الحدث البيئي العالمي، الذي جاء تحت شعار «تعزيز الجهود النوعية للحفاظ على الطبيعة»، بحضور أكثر من 10 آلاف مشارك من العلماء وممثلي الحكومات والشعوب الأصلية، وصنّاع السياسات ومنظمات الأمم المتحدة، وروّاد العمل البيئي والشباب، ما يعكس التزام الإمارات العميق بقضايا التنوع البيولوجي والحفاظ على الأنظمة الطبيعية.
وقد افتتح المؤتمر سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، الذي أكد أن حماية البيئة ركيزة أساسية لعملية التنمية الشاملة في دولة الإمارات، وأن الدولة تسعى لأن تكون نموذجاً بيئياً قيادياً، حيث تمتلك سجلاً حافلاً في مجال الحفاظ على الطبيعة، تجسُّده مبادراتُها الرامية إلى إعادة تأهيل النظم البيئية، وصون الكائنات المهدَّدة بالانقراض، وتوسيع رقعة المحميات الطبيعية التي باتت تغطي أكثر من 15% من إجمالي مساحتها.
والحاصل أن دولة الإمارات قد اعتمدت استراتيجيات بيئية وتنموية عدة تهدف إلى دمج الاستدامة في كل القطاعات، حيث اعتمدت الاستراتيجية الوطنية للتنوع البيولوجي 2031، التي تهدف إلى تعزيز الحلول القائمة على حماية الطبيعة، واستعادة النظم البيئية، وحماية الأنواع المهددة بالانقراض، وتتكامل هذه الاستراتيجية مع مستهدفات الأجندة الوطنية الخضراء 2030 لتعزيز استدامة استخدام الموارد، وترسيخ الاقتصاد الأخضر كمحور للتنمية المستدامة.
وكنموذج للجهود المتواصلة، تلعب هيئة البيئة – أبوظبي دوراً رئيسياً كجهة تنظيمية لحماية البيئة والموارد الطبيعية، حيث تدير الهيئةُ سلسلةً من المشاريع البيئية التي تشمل مراقبةَ النظم البيئية البحرية والبرية، واستعادة النباتات الأصلية، وإدارة المحميات الطبيعية، كما تُشرف على خريطة المناطق المحمية في الإمارة.
ويمثّل غرس أشجار القرم في أبوظبي أحد الأمثلة البارزة في هذا السياق، حيث تم زرع ما يقارب 40 مليون شجرة في المناطق الساحلية لإمارة أبوظبي منذ عام 1987، وهذا يتماشى مع هدف دولة الإمارات بزراعة 100 مليون شجرة قرم بحلول عام 2030 للمساعدة في تحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050. وفي سبيل حماية التنوع البيولوجي، أبرمت هيئة البيئة - أبوظبي اتفاقاً مع منظمة جمعية علم الحيوان في لندن لحماية الأنواع المهددة في الموائل البرية والبحرية، وتعاونت الهيئة في مشاريع حماية الحيوانات المهاجرة، مثل حمايتها للطيور المهددة بالانقراض ضمن اتفاقية الأنواع المهاجرة.
كما أعدّت قائمة حمراء للأنواع لتقييم حالة الأنواع النباتية والحيوانية في الإمارة، مما يساعد في توجيه الجهود لحمايتها. ومن المهم الإشارة في هذا الصدد إلى أن وزارة التغير المناخي والبيئة قد أطلقت العديدَ من البرامج والمبادرات لتثبيت واستزراع الشعاب المرجانية في الدولة، بالتنسيق والتعاون مع الجهات المختصة في كل إمارة، كما نفّذت مشروعاً بحثياً لاستزراع 24 نوعاً من المرجان في سواحل الدولة، والتي تم العمل على تطوير وتعزيز قدراتها على التكيف مع تداعيات التغير المناخي.
وعلاوة على ما سبق، تأتي مبادرات الدعم المالي كجزء من استراتيجية الإمارات الشاملة للحفاظ على الطبيعة وتعزيز التضامن البيئي، حيث أعلنت وكالة الإمارات للمساعدات الدولية عن تخصيصها 10 ملايين دولار أميركي، لصالح جمعية الإمارات للطبيعة بالتعاون مع الصندوق العالمي للطبيعة، لإطلاق «برنامج تعزيز قدرة المجتمعات على التكيف مع الكوارث الطبيعية» في قارة آسيا والمحيط الهادئ. تُظهر الجهود المستمرة لدولة الإمارات في مجال البيئة أن حماية الطبيعة وصونها تُعد أولوية وطنية استراتيجية، تعكس التزاماً حقيقياً بالتوازن بين التنمية والحفاظ على الموارد الطبيعية. كما تؤكد تبنّي حلول بيئية شاملة، وتعزيز البحث العلمي، وتطوير قدرات الشباب والكفاءات البيئية، وضمان مشاركة المجتمع، ما يؤكد الرؤيةَ المستقبلية الطموحة لدولة الإمارات، التي تسعى إلى تحقيق نمو مستدام، وتكريس ثقافة بيئية واعية، تعزّز مكانتَها الرائدةَ عالمياً في حماية البيئة وتطوير الاقتصاد الأخضر.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.


