في ذكرى يوم العَلم، الثالث من نوفمبر من كل عام، تتحول الإمارات إلى لوحة زاهية بألوان علمها، وترفرف رايتُه في كل شارع، ويرتفع على كل مبنى، ويتوشح به قلب كل إنسان يعيش على هذه الأرض الطيبة، إنها أكثر من مجرد مناسبة وطنية عابرة، بل تجسيد حي لمعاني الوحدة والفخر والانتماء.وبهذه المناسبة تنطلق الاحتفالات برفع علم الدولة في كل الأرجاء، مصحوباً بفعاليات عدة، منها معرض للمشاركات الفنية لفناني الإمارات، ومسابقات للشعر النبطي والفصيح، ومسابقات ثقافية بمشاركة أكبر شريحة من أبناء المجتمع، بجانب ورش عمل للتوعية بأهمية العلم ومعلومات عن استخدامه، فضلاً عن توزيع الهدايا التذكارية والمطبوعات التي تحتوي على معلومات عن المناسبة وأهدافها.
 وفي هذا اليوم يعبر المواطنون عن الولاء لقيم الاتحاد التي أرسى دعائمها الآباء المؤسسون، ويستذكرون رحلتهم المباركة لبناء هذا الوطن. وفي مشهد يعكس تلاحم القيادة والشعب معاً، يقوم المواطنون والوافدون - على حد سواء - بتلبية دعوة القيادة لرفع العلم الإماراتي على شرفات منازلهم ومباني مؤسساتهم الخاصة، تأكيداً لمكانة العلم رمزاً للدولة وسيادتها ووحدة أراضيها.
 ومنذ بدأت الدولة الاحتفال بهذه المناسبة الغالية في عام 2012، وذاكرة شعبنا تعي جيداً أن الثاني من ديسمبر عام 1971 هو اللحظة الفارقة، والتاريخ الذي شهد رفع علم الدولة لأول مرة، بيد الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في «دار الاتحاد» في دبي، فور إعلان قيام دولة الاتحاد وفي حضور إخوانه رفقاء الدرب حكام الإمارات.لا يُختزل دور العلم في كونه راية تُرفع، بل هو أحد أقوى الرمزيات في التاريخ الإنساني التي تُعبّر عن هوية الدولة واستقلالها ومكانتها بين الأمم، وهو انعكاس مرئي للمبادئ التي تقوم عليها الدولة، ويُستخدم لتمثيلها رسمياً في الداخل والخارج، كما أن ألوانه وأشكاله ليست عشوائية، بل تحمل رسائل معبّرة عن قيم المجتمع الأساسية، مثل الشجاعة والسلام والقوة والعدل والازدهار.
 ووفق ما سبق، فإن علم الإمارات ليس مجرد ألوان، بل قصة وطن ومبادئ راسخة تلبي طموحات وتطلعات الشعب الإماراتي، ومنذ إطلاقه إلى عنان السماء، أصبح رمزاً للعزة الوطنية والسيادة، حاملاً معاني الوحدة والقوة التي جسدت رؤية القيادة، وأصبح رفعه في كل مناسبة وطنية ملهماً لكل الأجيال ومبعث فخرها وعزها، وتذكيراً للجميع بالقيم والمبادئ التي تأسست عليها دولة الإمارات.
ومن المفارقات أن مصمم العلم عبد الله محمد المعينة روى قبل سنوات قصة اختياره للقيام بهذه المهمة الوطنية التي خلّدت اسمه، حيث قرر المشاركة بعدما قرأ بالمصادفة الإعلان عن المسابقة في الصحف، قبل أن يقع الاختيار عليه من بين أكثر من ألف متقدم، وقد استلهم ألوان العلم من الأبيات الشعرية التي كتبها الشاعر العربي صفي الدين الحلي والتي يقول فيها:
بِيضٌ صنائعنا خضرٌ مرابعنا
سودٌ وقائعنا حمرٌ مواضينا
ويرمز اللون الأحمر إلى تضحيات الأجيال السابقة لحماية الوطن، ويشير اللون الأخضر إلى النماء والنهضة الحضارية للدولة، في حين يرمز اللون الأسود إلى القوة والمنعة وهيبة الدولة، أما اللون الأبيض في العَلم فيرمز إلى الخير والعطاء الذي تتميز به الإمارات، ف‍«بِيض صنائعنا» يؤكدها تصدر الدولة كأكبر مانح للمساعدات التنموية على مستوى العالم، ما يؤكد التزامَها برسالتها الإنسانية العالمية ومبادئها التي تأسست عليها وسعيها لترسيخ مكانتها عاصمة إنسانية ومحطة خير وغوث ودعم للشقيق والصديق دون تفرقة بسبب عرق أو ديانة.
إن يوم العَلم الإماراتي هو أكثر من تاريخ على التقويم، إنه نبض القلب الوطني، وذاكرة الأمة الحية، وحلم المستقبل المشرق، إنه اليوم الذي نرفع فيه أعلى وأغلى الرايات، ليس فقط على ساريات الأعلام، بل في أعماق نفوسنا، فهو يذكّرنا بالآباء المؤسسين العظام، وبتاريخنا المشرّف. ولا شك في أن مسؤولية الحفاظ على هذا الإرث تقع على عاتقنا جميعاً، لتظل راية الإمارات خفاقة شامخة تروي للعالم أجمع قصةَ أمة اتّحدت تحت علم واحد، لتكتب بأحرف من نور أسطورةً لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلاً.
سيظل الثالث من نوفمبر من كل عام مناسبة وطنية نُجدد فيها عهدنا لقيادتنا الرشيدة، عاقدين العزم على مواصلة السير على نهجها الطموح الذي لا يعرف المستحيل، والعمل بإخلاص وتفانٍ لتعزيز نهضة الدولة ومسيرتها التنموية الشاملة، وترسيخ مكانتها وريادتها في مصاف الدول الأكثر تقدماً.
فلتبقى راية وطننا عاليةً شامخةً شموخَ العز في المحافل الدولية كافة، ورمزاً للتطور والازدهار والطموح، وشاهداً على إرادة ووفاء شعبنا.