في خطوة تهدف إلى مواجهة التهديدات الأيديولوجية من جذورها، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عزمه المضي نحو تصنيف جماعة «الإخوان» تنظيماً إرهابياً. هذا الإعلان الذي برز خلال الساعات الماضية، يعكس توجهاً أميركياً متجدداً نحو تفكيك الشبكات التي تغذي التطرف حول العالم. ورغم أن القرار لم يُصدر بصيغته التنفيذية بعد، إلا أن تبنّي الإدارة الأميركية لهذا المسار يمثل تطوراً بالغ الأهمية، ويؤكد أن العالم بدأ يلحق برؤية دولة الإمارات التي سبقت الجميع في اكتشاف هذا الخطر، والتحذير منه منذ سنوات طويلة. فالإمارات، أدركت مبكراً طبيعة المشروع «الإخواني» وأبعاده العابرة للحدود، ووضعت منذ عام ألفين وأربعة عشر الأساس الفكري والسياسي والعملي لمواجهة الجماعة. وقد كرست نفسها، خلال السنوات التالية، مهندساً للأمن العالمي، وصاحبة النموذج الأوضح في حماية الدولة الوطنية، ومكافحة التطرف. وتعود جذور جماعة «الإخوان» إلى عام ألف وتسعمئة وثمانية وعشرين حين أسسها حسن البنا في مصر.

ورغم تقديم الجماعة لنفسها كحركة اجتماعية دعوية، فإن التاريخ أثبت أنها كانت الخلية الأم للأيديولوجيات المتطرفة الحديثة. فمن أطروحات «الإخوان» خرجت كتب التطرف المعاصر، ومن مناهجها اشتقت «القاعدة» و«داعش» أسسها الفكرية والتنظيمية.

ومع توسع نشاط الجماعة في الدول الغربية عبر واجهات مدنية ودعوية وحقوقية، ازدادت المخاوف من أجندتها لاختراق المؤسسات، والتأثير في المجتمعات بطرق تعتمد على الإخفاء والتدرّج والخطاب المزدوج. ورغم أن القرار التنفيذي الأميركي لم يصدر بعد، فإن الإعلان بحد ذاته يمثل تحوّلاً مهماً في موقف الولايات المتحدة من «الإخوان»، خاصة مع دعم الواسع الذي يحظى به القرار داخل الأوساط الأمنية والتشريعية. وهذا التحول لم يأتِ صدمة ولا مفاجأة، بل جاء نتيجة تراكم سنوات من الجهد المعرفي والسياسي والأمني الذي قادته عدة عدة، وفي مقدمتها دولة الإمارات التي تعاملت مع ملف «الإخوان» منذ وقت مبكر باعتباره تهديداً عالمياً لا محلياً.

فعندما صنفت الإمارات جماعة «الإخوان»، وأكثر من ثمانين تنظيماً تابعاً لها ككيانات إرهابية عام ألفين وأربعة عشر، بدا القرار في حينه غير مألوف لدى كثيرين، إلا أنه كان نتيجة رؤية استراتيجية عميقة، انطلقت من قراءة دقيقة لطبيعة الجماعة، وطرق تمددها ومحاولاتها المستمرة لاختراق المجتمعات الخليجية والعربية.

وقد قادت الإمارات هذا التحول التاريخي، محذرة في منتديات عالمية من أن إهمال الأيديولوجيات الإسلاموية (الإسلام السياسي) سيؤدي إلى موجات أشد تطرفاً في المستقبل. وقد أثبت الزمن صحة هذا التحليل، إذ التحقت دول عديدة لاحقاً بالموقف الإماراتي، من مصر إلى البحرين وسوريا والأردن، وصولاً إلى الولايات المتحدة التي تبدو اليوم أقرب من أي وقت مضى لاتخاذ الخطوة نفسها.

وخلال العقد الأخير، عملت الإمارات على بناء منظومة بحثية عالمية كشفت جذور العنف في الفكر «الإخواني»، ووجّهت دبلوماسيتها لترسيخ فهم دولي جديد يعتبر الجماعة تهديداً عابراً للحدود، كما أقامت شراكات استراتيجية مع دول غربية لرصد شبكات التمويل «الإخوانية»، وعزّزت تعاونها الأمني والاستخباراتي لمعالجة قضايا التطرف، وفي الوقت نفسه كشفت بشكل منهجي الخطاب المزدوج للجماعة، وإبراز خطرها على التعددية واستقرار الدول. وبفضل هذا العمل الاستراتيجي والحكيم، أصبح الموقف الإماراتي اليوم هو الأساس الذي تبنى عليه السياسات والخطابات الدولية المعاصرة المتعلقة بـ«الإخوان». ورغم أن إعلان الرئيس ترامب لا يزال خطوة أولية، وليست قراراً نهائياً، فإن قيمته الرمزية والسياسية كبيرة جداً.

فهو يمثل اعترافاً ضمنياً بأن الإمارات كانت على صواب حين قادت قبل عقد من الزمن حملة دولية لتصنيف «الإخوان» كتهديد عالمي. كما يعكس أن الرؤية الأمنية التي تبنتها أبوظبي لم تكن رداً على أزمة عابرة، بل كانت مشروعاً استراتيجياً متكاملاً ساعد في إعادة تشكيل الطريقة التي يفكر بها العالم في خطر تنظيمات الإسلام السياسي. فإن اقتراب الولايات المتحدة من هذا التصنيف يؤكد أن الإمارات لم تكن دولة تتفاعل مع الأحداث فحسب، بل كانت دولة تصنع معايير الأمن العالمي، وتستشرف المخاطر قبل وقوعها، وتعيد بناء المفاهيم الدولية حول أمن المجتمعات واستقرار الدول. وبهذه الحقيقة، يرسّخ الإعلان الأميركي السير على نهج رسمته الإمارات مسبقاً، ويجعلها اليوم الفاعل الأكثر تقدماً وتأثيراً في صياغة معايير الأمن العالمي، وتوجيه المواجهة مع التطرف.

*مستشار برلماني