في غضون ساعات، سوف يتم افتتاح متحف زايد الوطني رسمياً، في إطار احتفالات الدولة بعيد الاتحاد الـ 54، في قلب المنطقة الثقافية في السعديات، كأجمل هدية تقدمها القيادة لشعبها في هذه المناسبة التاريخية.
يُعد المتحف تجسيداً حياً لإرث زايد في بناء جسور التواصل بين الأجيال من خلال نقل حكمة الأجداد من الماضي إلى الحاضر باعتبارها مصدر إلهام يضيء دروب الشباب نحو المستقبل، ويضطلع المتحف بدور رئيسي في التعريف بالتراث الثقافي الغني للإمارات، مُقدِّماً رواية شاملة حول التطوّر الذي شهدته الدولة والمنطقة منذ فجر التاريخ.
ويُتيح المتحف للزوار فرصة استكشاف السيرة الخالدة للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيَّب الله ثراه، من خلال المقتنيات والعروض التفاعلية، حيث يستلهم المتحف رسالته من قيم زايد، من أجل تعزيز الموروث والهُوية والانتماء، إلى جانب أعمال فنية معاصرة تعكس روح الماضي والحاضر.
صحيح أن زايد الذي فارقنا بجسده قبل أكثر من عقدين مازال باقياً فينا، لكن افتتاح متحفه جاء في وقته، حتى يتسنّى للأجيال التي لم تره أن تتعرف على مأثره وأفضاله وخصاله الأصيلة ودوره الكبير فيما تَرفُل فيه دولتنا من رفاهية ورخاء، فضلاً عن حاجة المجتمع العربي كله إلى سرد روايته والتعريف بمنهجه الفكري، الذي نصَّبه عن جدارة واستحقاق حكيماً للعرب.
الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان قيمة وقامة يستحق متحفاً باسمه، ليس لأنه رمز وطني فقط، بل لأن إرثه التاريخي والإنساني والتنفيذي مشروع حضاري متكامل، وقد امتدت مبادراته وأياديه البيضاء بالخير إلى خارج حدود الإمارات، وخلّف بصمة عالمية في العمل الإنساني، الأمر الذي يجعل متحفاً باسمه منصّةً لإلهام الأجيال بقيم العطاء والتسامح.
إنّ اطلاع الأجيال الجديدة على تفاصيل حياة الشخصيات التاريخية (مثل زايد) يتيح لهم الاقتداء بنماذج فذّة، ويغرس فيهم الدروس التي لا تقدّمها الكتب وحدها، فحين يرى الشباب كيف عاش القائد، وكيف كان يفكّر ويتعامل مع قضايا البيئة المحيطة به ويسعى بالخير بين الناس جابراً للخواطر، وكيف يجتهد لتحقيق التنمية وتعلية البناء، هنا، يتحوّل التاريخ إلى طاقة دافعة للحاضر، لا مجرد حكاية.
وباعتباره المتحف الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة، يُعَدُّ متحف زايد المرجع الأشمل لتاريخ الدولة وثقافتها، حيث يقدم لزوّاره رحلة عبر التاريخ العريق والثقافة الغنية لدولة الإمارات، ويسلّط بمقتنياته الثمينة الضوء على قصة شعبها وأرضها التي تعكس تراثها الغني وقيم الوحدة والتضامن، عبر صالات عرضه وبرامجه المختلفة.
بهذه الرؤية يبدو أن المتحف لا يقتصر دوره على صون التاريخ وحفظه فحسب، بل يتعدى ذلك إلى توفير صرح نابض بالحياة تتواصل فيه الأجيال القادمة مع قصة دولة الإمارات وتساهم في كتابة فصولها المقبلة، كما يساهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية عبر توفير فرص عمل نوعية وتقديم برامج تعليمية متخصصة تُعِد الأجيال القادمة من المهنيين للعمل في قطاع المتاحف.
وهذا الصرح الكبير يضمُّ أكثر من 3000 قطعة، يُعرَض نصفها بعناية ليروي قصة عن تاريخ هذه الأرض، حيث تبدأ الرحلة بسرد سيرة حياة الشيخ زايد عبر تسجيلات لصوته، وصور فوتوغرافية ومقاطع فيديو أرشيفية ومقتنيات شخصية ورسائل، ويتعرَّف الزوّار أيضاً على السنوات الأولى لتأسيس الدولة مع عرض التأثيرات التاريخية والثقافية التي شكَّلت رؤية الوالد زايد، وشكَّلت شخصيته بدءاً من نشأته في منطقة العين، وصولاً إلى دوره المحوري في توحيد الإمارات، والقصص التي شكّلت إرثه ولا تزال تشكِّل مصدر إلهام حتى يومنا الحاضر.
إن افتتاح هذا الصّرح العظيم يُشكّل محطة محورية في مسيرة بدأت منذ زمن بعيد، فهو ليس إنجازاً ثقافياً فحسب، بل إنجازاً وطنياً يوفّر فضاءً يلتقي فيه التاريخ مع الابتكار، وهو مؤسسة تعليمية تفتح أمام الزائرين نافذة على قيم الريادة والإبداع والجرأة والالتزام.
إنه متحف - كما أرادت له القيادة - ليس مجرد مكان للعرض، بل ليُجسِّد جسراً حياً بين زمنين، زمنٍ مضى وترك أثره في الوجدان، وزمنٍ يتشكّل ويبحث عن المعنى والقدوة، ليصبح المتحف بذلك عملاً من أعمال الوفاء، ورؤية استشرافية تُرسي دعائم المستقبل.
إنّ إنشاء متحف زايد الوطني هو وفاء للماضي لأنه يحفظ الذاكرة من التشتت والضياع، فالمقتنيات الشخصية والمخطوطات والرسائل والصور والأدوات التي استخدمها زايد ليست مجرد أشياء مادية، بل هي شواهد حيّة على عقل كبير صنع التغيير، ونفس كريمة حملت المبادئ، وساهمت في تشكيل الحضارة.


