سُلطة وسَلَطة: ما الفرق؟
في إحدى السنوات كان معرض الكتاب العربي بالكويت لا يعرف ما يسميه العرب بالحاسوب, ولا أدري ماذا يحسب الكمبيوتر بوجود الآلة الحاسبة؟! المهم كانت عناوين الكتب تُعرض من خلال دليل المعرض, وكنت أتصفح هذا الدليل فوقعت عيناي على العنوان التالي "السلطات الأربع", ولسبب لا أعلم كنهه, قرأت العنوان "السُّلطات الأربع" وتعجبت لأني أعلم تماماً أنه لا توجد في النظام السياسي سوى ثلاث سُلطات : التشريعية والتنفيذية والقضائية, فمن أين جاءت هذه "الرابعة"؟ وذهبت لدار النشر في المعرض, فإذا بالمكتبة لا تبيع سوى كتب الطبخ!! فسألت البائع عن الكتاب, فأعطاني إياه, فإذا به كتاب عن أنواع السَّلَطات التي توضع على المائدة وتؤكل, وليس سُلطات الدولة... وكان الفرق فقط بين الضمة والفتحة, حسب قراءتك للعنوان وطريقة تفكيرك. ولكن لم يطل بي التساؤل: ما الفرق بين سُلطات الدولة, وسَلَطات الأكل؟ أليست كلها خلطبيطة: خس على طماطم على خيار على جزر, في مقابل سُلطات الدولة العربية المتخلِّفة والتي تتكون من خلطبيطة الفوضى الإدارية وانتشار الفساد السياسي والإداري وغياب تام لدولة القانون في ظل تجاوز القبلية والطائفية والعلاقات الشخصية لمؤسسة الدولة! إذن لم أذهب بعيداً في قراءتي للعنوان المذكور, ذلك أن النتيجة واحدة: خلطبيطة بامتياز... ومع "الدريسنغ".
لو أردنا أن نقارن بين السَّلَطة الخاصة بالأكل, والسُّلطة الخاصة بالدولة العربية, لوجدنا العوامل المشتركة التالية:
1- الفوضى وعدم ترتيب الأشياء سواء في المكونات أم النكهة.
2- تشكّل هذه الفوضى بشكل محدد سواء في الإناء أو الحدود الجغرافية للدولة.
3- من يقوم بتحديد مكونات السلطة, الطباخ, في مقابل من يقوم بتحديد مكونات السلطة السياسية.
4- من يقوم بعلمية صنع السَّلَطة: شخص واحد هو الطباخ, في مقابل من يقوم بعملية صنع السُّلطة السياسية أيضاً فرد واحد.
5- شخص واحد هو الذي يحدد نوع السلطة الخاصة بالكل, وشخص واحد أيضاً هو الذي يحدد نوع السلطة السياسية.
الفرق الوحيد بين نوعي السلطتين, أن الأولى لذيذة وصالحة للأكل وتؤكل كفاتح للشهية, في حين أن السلطة السياسية مرّة ولا تصلح لإدارة البلاد والعباد وتسدُّ النفس بسبب الاستبداد الكامن فيها. وإذا كانت العرب تقول "كله عند العرب صابون", ولا أدري ما المقصود بهذا المثل الغريب, إلا أنه من الأفضل من الآن فصاعداً أن نغير هذا المثل إلى "كله عند العرب سَلَطة".
وبذلك ننصح كل من قد يقع في نفس غلطتنا لعناوين الكتب بسبب عدم التشكيل, ألا يرتاع كثيراً, لأنه لا فرق بين السُّلطة السياسية في عالمنا العربي وسَلَطة الأكل... كله فوضى في فوضى.