أذكر جيداً متى دخلت كلمة «جمعية» حيز مفرداتنا، وأصبحت من الكلمات والمصطلحات المتداولة، فقبل ذلك كان مصطلح «سوبر ماركت» أكثر شيوعاً، وأصبحت كلمة «جمعية» مسموعة في بيئات العمل عند دفع الأقساط، وعند توليف الأنشطة التراثية تحت لواء الحفظ والصون، وعند شراء حاجيات البيوت أو الأسهم الاستثمارية وغيرها. 
 عندما انتصف الليل قررت الذهاب إلى جمعيتي المفضلة، ركنت السيارة وهرعت بلهفة إلى الداخل، كان المكان يَصفر «ولا الصريخ» وكانت الأرفف في أعلى مستوى من الترتيب.
 سحبت أحد قوارب النجاة، وسرت بين الصفوف، علّي أرى ما يجذبني فيلهمني لأجربه في مرحلة الصيام المتقطع. كان «القارب» يجرني من مكانٍ إلى آخر وكأنني جئت رفقة طفلٍ يبحث في ممرات الحلوى والألعاب عن الممتع والمسلي، رن هاتفي فقلت من ذا الذي يريد أن يبيع لي عقاراً في مثل هذه الساعة. جاء صوت أختي: «سلام عليك عائشة، الله يخليك ييبي لنا من الخبز اللي مدحتيه ترانا نسوي ريجيم بعد». الحاصل، اشتريت ما يبعد عن ضميري غصة الندم، وقد وردت كلمة «قليل»، «خفيف»، «خالي»، «طبيعي»، و«من دون» في أغلب تلك المشتريات.
بين تلكؤ عجلات العربة وصرير إطاراتها التي تعودت على الأوزان الثقيلة سحبت رجليّ إلى حيث تحدث المقايضة. أمامي ثلاثة أشخاص وكلهم من الرجال التفتوا إليّ، وهز الأول رأسه بطريقه بها عظيم الاعتذار، وقال: «آسف أختي، لم أدعك تحاسبين قبلي فقد بدأ المحاسب في مسوحاته الضوئية وأنا في منتصف المعاملة» فقلت له: «لا بأس الدور ياي وأنا لست مستعجلة وجزاك الله كل الجزاء على هذا الذوق الرفيع»، ثم دفع بالبطاقة وغادر من دون الالتفات إلى الوراء. الشخص الثاني جاء لشراء علبة سجائر دفع ثمنها، وكان خارج الحسبة قبل أن ينتبه إليه أحد. أما الثالث، فقد كان شاباً وسيماً سَمْحَ الوجه قال بصوتٍ هادئ: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لو سمحت لي سأضع أغراضك على (الكاونتر)!» فقلت له: «وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، لك مني جزيل الشكر لا أرى أي داعٍ لذلك» نظر إلى بإمعانٍ وكأنه يعرفني، وقال: «أنا مطيري من الكويت، ولك مني الحشمة والكرامة وأقسم بالله مشترياتك كلها عليّ»، وسار يضع الأغراض في الأكياس ودفع المستحقات وترك أغراضه واعداً المحاسب بأنه سيعود ومشى بخطوات ثابتة ليدفع العربة إلى حيث سيارتي فقلت له: «يا ابن الحلال هذا لا يجوز فنحن في بلادنا وعلينا فعل ذلك بدلاً منك! فقال مقاطعاً: أين هي سيارتك؟» للعارفين أقول: قبل عام التقيت بشابٍ مثله في المخبز اشترى لي خبزاً، واليوم، وكأنه موعدٌ سنوي يأتيني المطيري. ترى من هؤلاء الذين يغيرون مجرى حياتنا بأخلاقهم وقيمهم وكرمهم ويعيدون حسابات الفلك والموازين القيمية التي تُستدام؟! أكذب عليكم إن قلت لكم: إن هذا الموقف لم يبكني، نحبت بكل وجدان الإنسانية المتأصلة في روحي وأنا ما زلت أتساءل: ما الذي وجده فيّ ليعاملني وكأني محور الكون؟! وأقول للمطيري: «شكراً لك وغفر الله لوالديك، فقد أحسنوا التربية، وحفظك الله فخراً وذخراً وعزوة لنا جميعاً».