لم يكتف صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بمكالمته الهاتفية مع أخيه الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر، التي أعرب خلالها عن تضامنه الكامل مع قطر، بل قام سموه بزيارة الدوحة، مؤكداً إدانتَه العدوانَ الذي يشكل خرقاً للقوانين والأعراف الدولية، ويقوّض أمن المنطقة واستقرارها.
الزيارة شدت من أزر القيادة القطرية التي استشعرت حجمَ الدعم والمساندة، فأعلنت على لسان الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رئيس الوزراء وزير خارجيتها أن «هناك رداً سيصدر من المنطقة»، وقد أثمرت الزيارةُ بالفعل الدعوةَ لقمة عربية إسلامية طارئة على أرض الدوحة. ما قام به قائدنا ليس مجرد زيارة، بل رسالة تعكس روح الأخوّة والتضامن، وفق رؤية راسخة تؤكد وحدة المصير، ويعلم نتنياهو جيداً أن الإمارات قادرة على إحداث الفارق عبر توظيف علاقاتها وسمعتها الدولية مع العديد من القوى الدولية.
ولأن أمن الخليج لا يتجزأ، ومن منطلق الإيمان الراسخ بأن العبث بأمن أي دولة خليجية والمساس بسيادتها يشكل عدواناً صارخاً على دول المنطقة كافة، استكمل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد جولتَه بزيارة البحرين ثم عُمان، سعياً إلى توحيد المواقف والتوافق على رؤية مشتركة تحفظ لشعوبنا استقرارَها. إن تناغم مواقف دول المنطقة الرافضة للعدوان عكَس عمقَ التلاحم بين دول مجلس التعاون في مواجهة التحديات التي تستهدفها، وردود الأفعال المتشابهة في جوهرها تؤكد حقيقةً لا تقبل المساومة، ألا وهي أن الخليج على قلب رجل واحد في مواجهة أي تهديد يطال استقرارَه.
وفور وقوع العدوان كان الموقف الإماراتي صريحاً وقوياً، عبّر عنه سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، والذي اعتبر ما جرى اعتداءً خطيراً على القانون الدولي، مؤكداً أهميةَ أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياتِه في وقف الاعتداءات الإسرائيلية المتهورة والهمجية. وفي خط موازٍ، استدعت معالي ريم بنت إبراهيم الهاشمي، وزيرة دولة لشؤون التعاون الدولي، نائبَ السفير الإسرائيلي لدى الدولة، وأبلغته إدانةَ واستنكار الإمارات الشديدين للاعتداء السافر والجبان الذي استهدف الشقيقةَ قطر، وللتصريحات العدوانية الصادرة عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وخلال الفترة الأخيرة يمكن أن نلحظ بوضوح، تصاعدَ نبرة الإمارات الرافضة للممارسات الإسرائيلية، وقد خاضت الدبلوماسيةُ الإماراتيةُ العديدَ مِن المعارك انتصاراً للحق العربي، ورفضاً للبلطجة والانتهاكات التي تزداد يوماً بعد يوم.
فخلال الأسبوع الماضي، وفور إعلان جيش الاحتلال اعتزامَه ضمَّ الضفة الغربية، تصدت أبوظبي للمخطط الاستيطاني، وأكدت رفضَها لقرار الضم، وعزمَها على فضحه في المحافل الدولية. وجاء العدوان على الدوحة ليزيد الطين بلة، وليكشف بوضوح أنه لا نية لنتنياهو في إنهاء التوتر بالمنطقة، بل العكس هو الصحيح، أي أن الرغبة في إشعال الحرائق وامتدادها من بقعة إلى أخرى هو الهدف الحقيقي لحكومة تل أبيب، وكأنهم ينتعشون في ظل الحرائق، وما تخلفه من خراب ودمار.
بيد أن العدوان الأخير كشف تصاعدَ شعور الإحباط لدى أهل المنطقة من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لمواصلتها دعم نتنياهو، وغضها الطرفَ عن تخطي حكومته الخطوط الحمراء كافة، مع تجاهله الأيادي الممدودة والرغبة الصادقة للقادة العرب نحو تحقيق الاستقرار، وتوفير الأمن والأمان لجميع شعوب المنطقة دون استثناء. إن المخططات التي تستهدف المنطقةَ لم تعد خافيةً، والسنوات المقبلةُ سوف تكون محفوفةً بالتحدّيات، ولا سبيل لتحقيق الاستقرار لشعوبنا إلّا بتعزيز التعاون، وإعادة تفعيل «قوة درع الجزيرة»، ذراعاً عسكرية لمجلس التعاون الخليجي، والاستثمار في التدريب المشترك لجيوشنا، فالحق لابد له من قوة تحميه وتردع المعتدين.
إن التصعيد الأخير يحتّم التحركَ العاجلَ والتنسيقَ على المستويين الإقليمي والدولي لتجنب مخاطر توسيع رقعة الصراع، واحتواء انعكاساته على السِلم والأمن في المنطقة، وعلى المجتمع الدولي ضرورة إيجاد آليات دبلوماسية تحول دون الانزلاق إلى منعطفات خطيرة تزيد من سوء الأوضاع وتعقيد الموقف أكثر. لا أريد أن استبق الأحداث أو أبدو كمتشائم من التطورات التي تتدحرج ككرة الثلج، لكن تمادي إسرائيل في مثل هذه الهجمات المتهورة، ستكون له تداعيات بالغة الخطورة وسيكرّس واقعاً لا يمكن السكوت عنه أو قبوله.
كل ما نتمناه أن يقرأ نتنياهو الرسالةَ جيداً، فزيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد إلى قطر، وقبل مرور 24 ساعة على العدوان، هي رسالة تحدي للغطرسة الإسرائيلية، وتأكيد على موقف الإمارات الثابت في دعم الأشقاء. ويقينا لن تسمح الدبلوماسية الإماراتية النشطة، بما لديها من علاقات دولية واسعة، للجرائم التي ترتكبها إسرائيل أن تمر دون عقاب.


