مستقبل العراق وإعادة إعماره كان من أهم الموضوعات المطروحة في اجتماعات الدوليين والتي انعقدت بمدينة دبي بدولة الإمارات، وإعادة إعمار العراق معركة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، والانتصار في هذه المعركة أو الخسارة فيها يحمل مدلولات مهمة للأطراف المتصارعة على الساحة· فعلى المستوى الأيديولوجي نجد أن اليمين الأميركي ما زال يراهن على تصورات بول وولفوفيتز وريتشارد بيرل وغيرهما من المنظرين بأن النجاح من خلال النموذج العراقي سيفتح أبواب المنطقة على مصراعيها للسلام والديمقراطية والتنمية على الطريقة الأميركية· وبمتابعة سير الأحداث نجد أن فرص نجاح هذه الرؤية، وإن لم تكن معدومة إلا أنها ومع مرور الأيام تبدو أكثر صعوبة، وبالمقابل يسعى التطرف العربي بوجهيه السلطوي والأصولي إلى تدمير فرص نجاح هذا النموذج رغبة منه في استمرار الإرث السلطوي والممارسات التي عانى منها العالم العربي والمسؤولة عن الفشل التاريخي الذي غطاه هؤلاء بخليط من شعارات التحرير ومقاومة الغرب· وبين هذين التوجهين نجد أن العراقيين، وقد تخلصوا من صنمهم القومي، في حيرة يؤججها تاريخ من الممارسات الديكتاتورية البعثية· فبعد سنوات من الحكم الحزبي العشائري الغبي تعيش أرض دجلة والفرات أجواء انفلات أمني وحرية متوحشة ومثل هذا الانتقال من النقيض إلى النقيض كفيل بأن يخلق مرحلة من الفوضى ولو إلى حين، ومن صرامة اللون الواحد والرأي الواحد تبرز الفسيفساء الإثنية بكل فرصها وبشاعتها ولعلها تحتاج لبعض الوقت والكثير من العقل والواقعية لتغليب الهوية الوطنية على الهويات الفئوية ولتعيد مشروع بناء الوطن الديمقراطي التعددي إلى مساره الصحيح·
وإعادة إعمار الوطن العراقي تعتمد على العديد من العوامل في ظل غياب تجربة ديمقراطية متراكمة أو إرث ديمقراطي سابق، ومثل هذا الانتقال ليس بالمستحيل إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الإرث الديمقراطي في ألمانيا كان ضعيفاً ومتقطعاً وفي حالة اليابان منعدماً، ولابد من الإضافة إلى أن مشروع إعادة الإعمار الطموح يعينه مستوى تطور اقتصادي وإداري وخبرات بشرية لا بأس بها، وتبقى بطبيعة الحال عوامل رئيسية أخرى لا يمكن الاستهانة بها وعلى رأسها الاستقرار والأمن ومستوى الاستثمار المالي المطلوب·
ويبقى الإطار السياسي والدستوري من أهم عوامل نجاح مشروع إعادة إعمار العراق ويمثل دعم جهود مجلس الحكم أساساً لنجاح عملية إعادة هيكلة النظام السياسي للدولة العراقية وتجذير المؤسسات الديمقراطية المزمع تأسيسها· فالمجلس مرحلة ضرورية للانتقال من الاحتلال إلى السيادة الوطنية كما أنه جسر العبور من الماضي البعثي المظلم إلى مستقبل ديمقراطي تعددي مشرق· وخط السير هذا بحاجة إلى بعض الوقت والكثير من الدعم المعنوي والسياسي والمساندة الاقتصادية، ومثل هذا التحول لن يتم بين ليلة وضحاها· ففي الحالة الألمانية استغرق قرابة الأربع سنوات وجاء في خطوات متدرجة من المحلي ليصل إلى سائر القطاعات الغربية لألمانيا المحتلة، وحتى مع تأسيس جمهورية ألمانيا الفدرالية برئاسة المستشار كونراد أديناور بقيت السلطة النهائية لفترة مع قوات الاحتلال، أما في حالة اليابان فعلى رغم أن الانتخابات الأولى تم تنظيمها بعد سبعة أشهر من الاحتلال إلا أن استرجاع السيادة والذي كان من المزمع له أن يتم خلال ثلاث سنوات تأخر حتى 1952 بسبب أجواء الحرب الباردة أي بعد احتلال دام سنوات سبعا، والخلاصة أن الحل لا يكمن في الوصفات السريعة والمعادلات المتعجلة بل في تكوين أسس صلبة للجمهورية الجديدة تتمتع بإجماع شعبي·
ومن خلال تجربة الأشهر السابقة لابد من أن نشير إلى أن تفعيل الدور الدولي في الحالة العراقية ضروري ويعود ذلك إلى عدة أسباب منها العولمة التي تسود معمورتنا ورأب صدع صراعات الحلفاء والتي تعود إلى فترة ما قبل الحرب، والمعارضة القوية في العالم العربي للوجود الأميركي بسبب ارتباطات واشنطن الإسرائيلية، نقول ذلك ونحن ندرك تمام الإدراك أن الدروس المستقاة من الحالتين الألمانية واليابانية مناقضة لهذا الاستنتاج· فالتحول في اليابان كان أكثر سهولة منه في حالة ألمانيا والسبب الرئيسي يكمن في وجود قوة احتلال وحيدة هي الولايات المتحدة ومرجعية وحيدة ممثلة في الجنرال ماك آرثر، وذلك ما لم توفره الجغرافيا وخطوط التماس الأوروبية للحالة الألمانية· ومع هذا لا ينتقص ذلك من حقيقة أن الخطوط العامة تم الاتفاق عليها في سلسلة من القمم من الدار البيضاء عام ،1943 ويالطا وبوتسدام عام ·1945 ومثل هذه الحقائق تشير إلى أن الولايات المتحدة في الحالة العراقية تفاجأت بسير الأحداث بعد انتصارها في الحرب ولم تدرس خططها بدقة ولم توفر الاعتمادات المالية الكافية لمرحلة إعادة الإعمار، وأما المعارضة الأيديولوجية اليمينية للدور الدولي في العراق فتبقى عقبة أساسية في سلاسة التحول السياسي والاجتماعي المطلوب في العراق· والغريب أن واشنطن وفلول البعث تتفق في محاولتها تحجيم الدور الدولي في العراق، الأولى بدبل