في حديثه عبر برنامج الشارع العربي على قناة دبي، طاف السيد راشد عبدالله النعيمي وزير خارجية الإمارات السابق عبر زمن طويل، تنقل خلاله بين المواقف والرجال والذكريات والتذكارات، وبما أن الرجل كان وزير الخارجية زمن قيام الاتحاد، فقد منحه القدر فرصة كبيرة للقرب من المؤسسين الأوائل، وبالذات المغفور لهما بإذن الله الشيخ زايد والشيخ راشد، فحين سئل عن الاتحاد كيف قام في البدء ؟ وكيف استمر رغم كل العراقيل والظروف المعيقة يومها، أجاب: كان بين الرجال المؤسسين ثقة كبيرة ومحبة حقيقية، وقناعة خلاصتها أن الاستمرار مرهون بالاتحاد، وأن لا طريق لنجاة وبقاء هذه الإمارات المتفرقة والمختلفة فيما بينها إلا بالوحدة.
فهل تم حرق المراحل كضريبة لأزمة التطور السريع الذي اتبعته الإمارات بعد توقيع الاتحاد ؟ حرق المراحل يعني التضحية بكثير من المتطلبات أو شطبها من جدول التنمية لصالح أهداف أخرى، فهل هذا ما حدث فعلاً ؟ هل وفرت الدولة الناشئة لمواطنيها التعليم وأجلت أو ألغت الصحة مثلاً ؟ هل وفرت الصحة والتعليم وأهملت البنية التحتية كالطرق والمدارس وتوفير الماء والكهرباء ؟ هل علمت الأولاد ولم تلتفت لتعليم الفتيات باعتبارنا مجتمعاً قبلياً محافظاً ومتزمتاً يومها ؟ لم يحدث شيء من ذلك أبداً فقد اعتمدت الدولة استراتيجية تنموية شاملة، وذات مسارات واضحة ومحددة ومتكاملة، سار التعليم وفقها جنباً إلى جنب مع الصحة والإعلام والتعليم وحق العمل والمسكن و... الخ، لم تحرق الإمارات المراحل لكنها اجتهدت لتجعل المراحل أسرع إنجازا وأشمل تأثيراً.
اليوم وبعد أن أنجزنا هذه الدولة بكل ألقها وتحضرها وامتلاكها لأفضل الخدمات والبنى التحتية ماذا يتوجب علينا أن نفعل ؟ معالي الوزير أجاب: علينا اليوم أن نستمتع بما أنجزنا وأن نفرح ونفخر ونبتهج، ذلك صحيح وهذا ما كان واضحاً في الأيام السابقة والدولة تحتفل بيومها الوطني، فقد كان حجم التماسك حول الرمز واضحا بل لم يكن يوما بهذا الوضوح الذي شهدناه وعشناه وكنا جزءا من مشهده في الايام السابقة، التماسك حول الرمز بما يعنيه ذلك من التفاف حقيقي حول فكرة الاتحاد وتعميق الإيمان والانتماء لها تماما كما التف المؤسسون حول الفكرة عام 1971 باعتبارها المخرج والقارب والنجاة والأمل والمستقبل ولا خيار آخر.
لقد احتفلنا هذا العام باتحادنا في ظرف عربي استثنائي، بعد ان انقلب العالم العربي رأسا على عقب وبعد أن عمته الفوضى في معظمه وبعد أن عبر العالم كله نفق ازمة اقتصادية طاحنة ومع ذلك فإيماننا بالاتحاد كسفينة نجاة وتمسكنا بها قد عصمنا من الغرق، وإيمان قيادتنا - كأسلافهم - بقدر الاتحاد وبشعب الاتحاد قد أنار لهم الطريق وسط العواصف العاتية ليعبروا على كل الأزمات بمهارة وأمان. نحن اليوم منجز عربي كبير لطالما حاول بعض العرب وأده في بداية الطريق، كما أننا مثال سياسي باهر امام العالم، وتجربة تنموية تعد من اكثر التجارب الآسيوية نجاحاً واستقراراً على صعيد الوفرة والاستمرار والشمولية والتكامل، نعم علينا أن نستمتع بما أنجزنا، وأن نفرح وأن نتعهد بالحفاظ على هذا المنجز الضخم. فالآباء المؤسسون وضعوا البذرة وتعهدوها حتى آتت أكلها أضعافا كثيرة، نحن مطالبون بأن نكمل الدرب بالعنفوان والإيمان ذاته !


ayya-222@hotmail.com