هالني هذا العيد كيف أصبحت وخيفة الشوي، وأين صارت الفرحة الجماعية بها، وهناك تخوف وخوف من أن نخسر موروثاً تكاد تنفرد به مدينة العين، ويجب تسجيله لدى «اليونسكو» كإرث مادي، ومنعاً من فقدانه في الأيام القريبة المقبلة في ظل غياب الوعي الاجتماعي، وعدم اهتمام من قبل الأجيال الجديدة، حتى غاب نشيد الصغار: «باجر العيد بنذبح البقرة، وبنعشي خمّاس طويل المنخرة».
تبدأ طقوس هذه الاحتفالية الشعبية القديمة بعد الفدى وذبح الأضاحي بعد صلاة عيد الأضحى والحج، حيث تعود تقاليد الأضحية إلى النبي إبراهيم الذي يسميه اليهود «أبونا إبراهيم»، في حين يسميه المسلمون «أبو الأنبياء»، وهو مبجل في الديانة المسيحية أيضاً.
ورأى إبراهيم في المنام أنه يذبح ابنه إسماعيل من زوجته الثانية هاجر، لكن الرب فداه بذبح عظيم كما في القرآن، وحينما جاء النبي محمد، عليه أفضل الصلاة والسلام، أمر المسلمين بأن يضحوا تقليداً لجدهم النبي إبراهيم وابنه إسماعيل، والأضحية ليست فرضاً، بل لمن استطاع، لأن النبي الكريم ضحى عن أمته، وتوقيتها المفضل بعد صلاة عيد الأضحى أو العيد الكبير بعد الحج.
يختار المسلم أضحيته وتكون سليمة لا عيب فيها لأنها تقدمه لله، ويعلفها بطريقة جيدة ويعتني بها، ويفضل أن يذبحها بيده بعد أن يذكر اسم الله عليها، لينال بركة الرب، والاقتداء بسُنة النبي الكريم، ثم يقطعها ليوزعها على الفقراء والمساكين والجيران، ويبقي القليل منها لنفسه.
وكان الناس عندنا في الوقت الماضي يحتطبون قبل أيام من أشجار السمر، وتقطع جذوع النخل الميتة، وسعف النخل اليابس، وتجلب إلى مكان التنور الجماعي الذي يتوسط الساحة الكبيرة المجاورة لبيوت الحي والتي تكون خالية من الأشجار، تحسباً لأي شرارة طائرة أو نشوب حريق يمكن أن يلحق الضرر بالبيوت، حيث كان كل حي لديه مثل ذاك التنور الكبير، والذي يصان ويطلى بالطين أو الحجر قبل العيد بأيام، ويكون طوله بمقياس طول قامة ثلاثة رجال، وبعرض باع ثلاثة رجال، هكذا كان القياس قديماً حيث لا تعرف القياسات الحديثة.
تصنع سلال مصنوعة من سعف النخل الأخضر وتسمى «الوخايف» لكي لا تأكلها النار بسرعة، وتجلب أوراق النباتات الخضراء مثل ورق الموز والمانجو والشوع والياسمين والليمون، وتشمس البهارات ثم تنتقى وتدق وتطحن وتخلط مع بعضها مع الليمون والملح والزعفران وجوز الطيب والفلفل الأسود والخل والكركم والتمر، ويفضل أن يكون تمراً حوليّاً، وتعمل منها خلطة تسمى «الخلول» تدهن بها لحوم البقر أو العجل أو الأغنام بعد تنظيفها وغسلها بالماء وتمليحها بعد تفليخها، ويعاد غسلها بعد ساعات، بحيث يذر عليها الملح والكركم ثم تغسل بالماء من جديد، ثم تطلى بالخلول والذي هو منقوع الصبار والكزبرة والبقدونس وزيت الزيتون أو دهن حيواني وزنجبيل وفلفل أسود، وتبقى اللحوم لساعات حتى تتخللها كل تلك البهارات، ثم تلف اللحوم في أوراق النباتات الخضراء، وتوضع في الوخايف، وتخيّط بالحبال الخضراء المصنوعة من سعف النخيل «الوصى»، وتُعَلّم بعلامة ليعرفها أهل البيت بعد ما تحترق تلك «الوخيفة» في التنور، ليميزها عن غيرها، وعادة تكون من المعدن «قوطي صلصل أو قوطي عنص» أو عقدة يعرفها.. وغداً نكمل