لحظة التنوير
”لحظة التنوير” مصطلح نقدي تعلمته من الدكتور رشاد رشدي،? ?رحمة الله عليه،? ?فقد كان واحدا من أبرز النقاد في الستينيات،? ?ومعروف عنه? ?غرامه بنقد ت. إس. إليوت وإلحاحه في مرحلته النقدية الباكرة على فكرة المعادل الموضوعي الذي? ?يفرض على المبدع ألا? ?يعبر عن مشاعره تعبيرا مباشرا،? ?وإنما? ?يخلق ما? ?يوازيها موضوعيا على هيئة موقف أو شخصية في حالة المسرح والرواية، أو صورة شعرية كما? ?يحدث في حالة الشعر. وقد لقيت اجتهادات رشاد رشدي استجابة واسعة في وقتها،? ?وكان له تلامذته الذين أخلص في رعايتهم حين كان رئيسا لقسم اللغة الإنجليزية في الجامعة،? ?وظل? ?يرعاهم بنفوذه الذي استمده من رضا الحكام عنه،? ?خصوصا السادات الذي وجد فيه حليفا قويا مضادا للناصرية،? ?واليسار الذي كان? ?يؤمن نقاده بالوظيفة الاجتماعية للفن،? ?ومنحها الأولوية في الممارسة. وعلى النقيض من ذلك،? ?كان رشاد رشدي أقرب إلى الشكلانية في فهم الفن،? ?وأميل إلى الكشف عن العناصر النوعية التي تجعل من الفن فنا،? ?وليس دعاية لمذهب أو عقيدة،? ?فالفن كيان لا? ?يعبد إلا حضوره الذاتي،? ?والعمل الفني قائم بذاته،? ?مكتف بنفسه،? ?ومعناه هو وجوده،? ?كما أن وجوده هو معناه?.?
ومن هذا المنطلق،? ?درّس لنا رشاد رشدي وحواريه أهمية لحظة التنوير،? ?وكانت القصة القصيرة المثال الأوضح لتحديد هذا المصطلح الذي كررناه كثيرا في الستينيات. وكان? ?يعني النقطة التي تتقاطع فيها كل علاقات القصة القصيرة ويبرز معناها ومغزاها في آن. وكان المثال الأشهر على ذلك قصة العقد للكاتب الفرنسي جى دي موباسان. وهي عن عقد نفيس استعارته امرأة من الطبقة المتوسطة المحدودة من صديقة لها من الطبقة الأرستقراطية، كي ترتديه في إحدى الحفلات الأرستقراطية التي دعيت إليها مع زوجها. ولكنها فقدت هذا العقد الثمين المصنوع من اللؤلؤ الحر. وكان عليها أن تشقى وزوجها وتستدين وتبيع أغلب ممتلكاتها حتى تشتري عقدا مثل الذي أضاعته. وفي النهاية،? ?وبعد طول عذاب،? ?استطاعت أن تشتري عقدا مماثلا كي ترده إلى صاحبتها الأرستقراطية. ولكي تفرج عنها كربها،? ?فإنها تحكي لها ما عانته هي وزوجها كي? ?يشتريا عقدا أصليا مماثلا للعقد الذي أضاعته. ولكن بدل أن تتعاطف معها صديقتها الأرستقراطية،? ?وتثني على ما بذلاه من جهد،? ?وما قاما به من تضحيات،? ?إذا بالصديقة الأرستقراطية تنظر إليها في عطف ورثاء?. ?وتقول لها: ولكن العقد الذي أعطيتك إياه? ?يا عزيزتي كان عقدا زائفا وليس من اللؤلؤ الحر?. ?وهنا تحدث لحظة التنوير أو الكشف. ويكتمل للقصة معناها الساخر من الطبقة الوسطى التي تحرص على المظاهر وتقليد طبقة أعلى منها بدلاً? ?من إبراز فضائلها الخاصة?. ?ومن? ?يومها وأنا أبحث في كل قصة قصيرة أقرأها عن لحظة تنوير، وأمتد بالبحث إلى الشعر،? ?وأبحث في القصيدة عن ما أسميه بيت القصيد?.?