ريح ومطر
بعد الريح مطر بعد المطر صحو وجمال وحبور وفرح، ثنائية المطر والريح متلازمة ليست بالجديدة علينا ولكنها فرحة تأتي بعد صبر وتبرم من شدة الريح وأذية الغبار وإزعاج الأتربة التي تحجب الرؤيا في بعض الأوقات وتجعل يومك مكدراً وغير سعيد، ولكنها حالة طبيعية في البلاد الصحراوية وعلى الخصوص دول الخليج العربي والجزيرة العربية، حيث تأتي البهجة والفرحة عارمة بعد الريح والمطر، أنها واحدة من اللوحات البديعة التي ترسلها الصحراء لناسها بعد زخات المطر الغزيرة.
وكلما جاءت فترات نزول المطر في موعدها ومواسمها الطبيعية، كلما كانت أكثر جمالية وتأثير في نفسية الناس هنا، هذا القاطن على حافة الخليج العربي وقلب الجزيرة العربية، عاشق لصحراء يأتيها المطر بين حين وحين، أنها البشارة والزهو اللذان يدفع بهما إلى ربوع الفيافي وقطع مسافات بعيدة خلف آثار المطر، بل إن التغير الكبير الذي يظهر على نفسيات الصحراوي تظل واضحة وقوية.
بالأمس جاءت فترة قصيرة تأثر فيها البلد بالغبار والرياح التي حملت الأتربة والإزعاج للبعض، ولكنها سريعاً ما تعوض الناس بزخات المطر الجميلة والرائعة التي غسلت المدن والشجر لتظهر بعد هذه الأمطار رائعة وجميلة وتفرح النفوس بالجو والسماء الصافية بعد فترة مزعجة من أثر الرياح الشديدة.
للمطر ذاكرة شعبية كبيرة هامة، أنشد له الناس وتغنوا به، خرجت الحكايات والأهازيج الشعبية، تغنى به الصغار والكبار، ومن أجله شدوا الرحال من منطقة إلى أخرى، ولعل أهمية الحديث عن المطر تأتي بعد أن لملم الشتاء ردائه وأقبل الصيف والذي يندر فيه هطول المطر وكأنها هذه الزيارة لوداع فترة ظللنا منتظرين نزول المطر الذي لم يأت هذا العام بصورة كبيرة خاصة على الساحل، إذا تركنا المناطق الشرقية والجبال التي يأتيها المطر دائماً ولكنها عند أهل الساحل قليلة ونادرة لذلك الفرحة كبيرة بهذا الضيف الجميل وإن جاء مصحوباً بالريح والبرق والرعد، المهم أن يأتي المطر بأي صورة، يأتي فهو كالحبيب المحبوب على أي صورة يكون.
وحدنا في الصحراء لنا عشق عجيب للمطر، فكم أبدع الشعراء في قصائد رائعة تمتدح المطر وما يخلفه بعد رحيله على الأرض والنفس، نحن مجبولين على حب الطبيعة ومظاهرها الجميلة، حيث إن الجزيرة العربية حماها الله من كوارث الأمطار والسيول والانهيارات والخراب الذي يبعثه المطر في بلدان أخرى، وأولئك قد لا يحبون المطر ولا هطوله المستمر، بينما نحن هنا نردد الدعاء بالزيادة والمزيد من تدفق المطر عندما يستمر طويلاً ونطلب من الله «أن يزيده يرحم عبيده»، عبارة ظلت تردد في الجزيرة العربية والإمارات «زيده وارحم عبيده»، لم يطلب أحد أن يرحل المطر وينقطع، إنها متلازمة وتوحد في وجدان الناس بين الحياة والماء بين المطر والربيع واخضرار الأرض ونمو العشب، صحيح أن فترة المطر التي جاءت على أرض الإمارات بالأمس القريب قليلة ولكنها زرعت في النفوس فرحاً كبيراً وأملاً كبيراً بأن أرض الخير والعطايا والحب سوف يمدها الله دائماً بالمطر ويغسلها بالماء العذب والمطر لتظل دائماً جميلة ومفرحة وزاهية. فيا أهلاً بالمطر ونشيد المطر.
Ibrahim_Mubarak@hotmail.com